الإفلاس التعجيزي :أوربا تريد سوريا الجديدة مفصلة بحسب هوى الغرب
الإفلاس التعجيزي :أوربا تريد سوريا الجديدة مفصلة بحسب هوى الغرب .
الإفلاس التعجيزي.. خطاب استعماري إمبريالي :ما وراء الهجوم الغربي على الحكومة السورية الجديدة
كتب :مصطفى نصار
ما أثير جزاء امتناع قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع و الرئيس الحالي لسورية في ٢ يناير الماضي الشهير حربيًا بالجولاني عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك تعبير صادق عن السياسة الغربية اللبيرالية ، و هو ما يظهر انفصالها عن الواقع ، و الإجراءات الوقائية و الملابس غير الرسمية في رسالة استعلاء و تحقير لسورية كلها ، و لم يثار الجدل من الوزيرة الألمانية فقط نظرًا لتلك الأفعال غير الرسمية ، بل في نطقها بالذريعة المعتادة في سورية فيما بعد سورية الأسد ، متمثلة في هضم و تضييع حقوق المرأة دون أن تسأل ، بتعمد عن حقوق نساء أخريات تعرضن للإبادة على مدار ١٥ شهر .
في تشابه واضح مع الإرث النازي ، نافحت الوزيرة عن إسرائيل معتبرة أن المدارس و المستشفىات “تزال عنها الحماية “إن ما كانت ملاذًا للإرهابين دون أن تنكر أو تشجب الإسرائيلين .
و في لافتة مشابهة ، قام وزير الخارجية الفرنسية جان فرانسوا بورت بالتشديد و التوصية على حقوق مختلف الأقليات المتنوعة في سورية بدءًا من العلويين مرورًا بالدروز و انتهاء بالإباضية و المسيحين ، في نبرة طالما استعملت في حق المقهورين أو المستقلين حديثًا مثلما فعلت مع تونس و المغرب حتى ذكرها بتعجب العلامة ابن عاشور ، منددًا بهذا الأمر و معتبره جزء من الاستعمار و التبعية و كذلك البشير الإبراهيمي في جمهرة أعماله ، لتتفق معاهم المحللة السياسية سمية الغنوشي معتبرة أنه من المعايير المزدوجة في فرنسا بالتحديد لإن “نابليون اعتمدها حينما جاء لمصر ” في تعبير صارخ كذلك عن الخطاب الاستعماري لفرنسا و ألمانيا لسورية ما بعد سقوط الأسد.
و من الجدير بالذكر أن فرنسا لم تندد باستهداف المدنيين من الأقليات ، و خاصة النصارى و الدروز الذي استهداف الأسد بالضربات المتتالية و الكيماوي حتى يقال أن عددهم باعتبارهم نازحين للخارج و لاجئين أكثر من ٤ مليون سوري ، أي قرابة النصف ، في إشارة لما انتهجته في الحملة الفرنسية، و الحملات الصليبية حتى انتهج نابليون أسلوب النفاق الديني بإدعاء دخوله للإسلام، في لافتة أثارت استهجان المؤرخ الفقيه عبد الرحمن الجبرتي في كتاب عجائب الاثار ، مما أثار انتباه محمد جلال كشك للقول بأن تلك الحركة كانت بمثابة تمويه لاستكمال الاحتلال الفرنسي لمصر. و من أكبر المفارقات و أكثرها إثارة للسخرية أنها السبب الأول عن زرع الحكم العلوي في سورية عندما رفعت تكلفة الانسحاب أو الإعفاء من التجنيد ليصبح جيش ما بعد الاستقلال احتلال أشد تطرفًا و أقوى استبدادًا و قمعًا مثلما أشار ستفين ونتر في كتابه تاريخ العلويين .
أما بالنسبة لألمانيا ، فمن المثير للسخرية عدم فرضها عقوبات مغلظة على نظام الأسد الذي وفر لهم أكبر عدد من العمالة الرخيصة، فالمصلحة جوهرية بسبب الفكر اللبيرالي الناشز ، و المعقم لمعظم الناس بجعل ألمانيا من أكثر الدول إصابة بالشيخوخة ، مما تهدد بالفناء القريب للدولة في عام ٢٠٥١ كما أشارت في ذلك التقرير السنوي لمنظمة العمل الألمانية عام ٢٠٢٣ . إنه الاستعمار الاستعلائي الذي لا يريد للآخر أن يتكلم بسبب تبعيته و خضوعه ، مما يجعل مهمة الاستقلال النفسي مستعصية ، و تجعلها كما قالت غايتري سابيفاك في كتيب هل يستطيع التابع أن يتكلم ؟”صعبة المنال إن لم تشوبها مهددات “إما بهدمها أو بعرقلتها .
أسئلة ليس لها معنى:الصحافة الاستعمارية لسورية في ميزان النقض.
دندن الإعلام الغربي منذ المقابلة الأولى في ٢٥ ديسمبر مع الإعلامية ذات الأصل الإردني جمانة كريتشنية على مواضيع أيدولوجية محضة تتسق مع أفكاره و قيمه المنحطة مثل الإرهاب و التطرف و أخلاقيات المرأة و الخمر في المقابلة الثانية مع المحرر و الصحفي المخضرم في البي بي سي جيرمي بوين الذي سأل القائد أحمد الشرع آنذاك عن المكونات الأساسية و المحورية في الحضارة الغربية دون أن يلتفت قط للمشكلات المحورية و المركزية مثل المرحلة الانتقالية ، و كذلك الأقليات المتنوعة ، و من بعد توالت المقالات و التقارير الصحفية و الخبرية التي تشنع في الرجل ، و تتهمه تهم مغلفة معتادة مثل كونه إرهابيًا ، و قاتلًا متسلسًلا للأبرياء .
تعبر هذا الحالة عن الصحافة الاستعمارية، و هي نوع من الصحافة تصور ضحايا المستعمر بصفته بربريًا متوحشًا شهوانيًا قاصرًا ، و تمارس نوعًا من الأكاذيب المغلفة بالقوالب و المعايير الصحفية المعتادة ، و لهذا يقول الاقتصادي إدوارد هيرمان في كتابه أسطورة وسائل الإعلام اللبيرالية أن الولايات المتحدة و الغرب لا يمتلك إلا وسائل إعلام ذات “صوت واحد “تمارس احتلالًا للعقول ، عبر التطبيق العملية لسيكولوجية الإذعان .
علاوة على ما سبق ، فإن التركيز على الأسئلة الوجودية التي سألتها وسائل الإعلام الغربية ، حتى بعد إنهاء الجدل الخاص بالمصافحة السفيهة التي لم تنبه أحدًا عند تكرارها مرتين ، مرة حدثت مع المغنية اليهودية دايان وليان في ٢٠٢٣ ، و رفض وزير المالية الصهيوني باكوف لبيرامان لنظيرته الفرنسية بسبب معتقداته الدينية كما قالت السي إن إن الأمريكية بمنتهى المصداقية ، لكن الأمر اختلف مع سورية الجديدة . إذ أن عمدت الصحفية لتقلبيه بالجولاني ووصفه بالقاتل أكثر من مرة رغم نصحية مارتن سميث في ٢٠٢٠ لوسائل الإعلام و الإدارة السياسية الأمريكية التي لم تسمع كلامه إلا متأخرًا في يناير عام ٢٠٢٥.
و لم تكتف عن الالتزام الصارم بالدين الخاص بها ، بل اشترطت بغطاسة مطلقة ، و غرور مطلق في تبادل للاتفاق بين تركيا و أمريكا يقتضي بخروج قسد و القوات الأمريكية من سورية مقابل تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد توسعه في بناء المستوطنات في الجولان السورية ، مما تهدد بتحويل سورية الجديدة لعملية و تحويلها لساحة اقتتال أهلي مخيفة ، و مفرغة لأسس السلم الاجتماعي. و قد ذكرت أستاذة العلوم السياسية سيسيل لابورد ذلك في كتابها المعنون “دين اللبيرالية “منفصلًا عن المآسي العالمية التي تسببت فيها بغطرسة و عناد معهود مقابل المقدسات الجديدة العميقة و على رأسها خدمة الكيان الصهيونية .
تاريخيًا، تغيرت عقيدة الغرب الدينية و السياسية و الوجودية عبر عدة هزات شديدة منذ صعود الدولة الحديثة بعد صلح ويستفليا ١٦٩٣م ، مما أدى لمسخ شمل كل منهم بما فيها عقيدة الاعتقاد بالعداء لليهود ، مما ينبني عليه تدعيمًا و توقيرًا بالسلاح و المال الوفير و السلاح بلا نهاية ، أو كما قالها نعوم تشومسكي الموضوع “له جذور تاريخية عميقة “في التاريخ الحديث في كتاب من يحكم العالم ؟!. و من هنا يكمن الاستنتاج القائل بأن الأسئلة الغربية على سورية على مدار الشهرين الماضيين ليس إلا تماهيًا مع الجذر الفكري و العقدي سواء كرهه للأصوليين أو دعمه للصهيونية .
إما إن قضية الشام و فلسطين متداخلة معها بصيغة مباشرة عبر المصالح ، و جعلها ترضخ لها على كل المستويات السياسية و الاقتصادية، مع عدم الاحتلال المباشر لأرضها لعدم انتهاك سيادتهم الوطنية و القومية و عدم إفساد التركيبة الاجتماعية للشعب عبر العديد من الإجراءات الاقتصادية الصارمة مثل الإفقار و الديون ، و إن فشلت تلك الأدوات لجأت لتبديل رأس النظام السياسي و إبداله بمن هو أكثر ذلًا و انبطاحًا حتى يكتمل تحقيق الرخاء الاقتصادي و السياسي وفقًا للرؤية اللبيرالية الصهيونية دون مراعاة لأي من قيمها الأساسية على حساب استمرار” الهيمنة اللبيرالية “بحسب تعبير ستفين والت أستاذ السياسة و العلاقات الدولية في جامعة هارفارد.
و يتعدى الإفلاس اللبيرالي لمرحلة الإيمان بأحقيته لملك العالم و تشكيل نظامه السياسي و الاقتصادي بصورة نموذجية نماذجية تشبه لعبة المكعبات ، و هو ما لم و لن يحدث في ظل المقاومة السورية أو الفلسطينية لكونها بالأصل خارج النموذج الدولي و القانوني ، فيلجأون للتعجيز التشويهي أو اعتماد رواية الخصم عبر عدة أساليب ذكرتها بروفسورة اللغويات روث جولد في كتابها محو فلسطين ، فلن تتخطى مساحة الحديث عن فلسطين، و غزة تحديدًا حدود حل الدولتين كأقصى تصفية للقضية بينما ظلت سورية محكومة بحكم جهنمي عبثي أقلوي تسلطي دون أن يرمش لهم جفن ، لوفائه الأول و تحقيقه العميق و العملي لمصالحهم .
الإعلام الغربي بين النازية و التحيز :كاثوليكة الأصنام المقدسة .
أثناء الحرب العالمية الثانية ، توجه الإعلام الغربي على منوال النازيين لتلفيق الأكاذيب بين قطع رؤوس الأطفال لاغتصاب النساء لتضخيم أعداد اليهود المحترقين في الهولوكست حتى تحولت لصنم من الأصنام الحديثة ، ليقول عنها الدكتور نورمان فليكاشتين أنها صناعة مغلفة بالأكاذيب و التزوير لاستغلال معاناة اليهود و عمل فكرة إسرائيل، و أكدها البروفسور راؤول ديفيد كبرايلج في كتابه سياسات الذاكرة منتقدًا اتخاذ اليهود كذريعة للاحتلال الإسرائيلي. و نتيجة لذلك ، ينتهج المنهج الإعلامي الغربي المنهج النازي و المجرد لإنسانية الضحية ، مثلما فعل على مدار ال١٥ شهر .
فعلى مدار التاريخ المجتمعي و العسكري ، أخفق الغرب بلبيرالته السياسية ، و حريته المزعومة التي باتت مثل الكاثوليكة الوسيطة بشكل مطلق و شامل يستبدل الدين بكامل أركانه الثابتة ، و الصلبة ،او كما يقول زيجمونت باومان في كتاب الحداثة السائلة أنها حالة تصارع ألهة فكلما هزم أله آخر ظهر جديد ، و كذلك الإعلام الحديث برمته مبني بالكامل على غسيل الدماغ أو النازية الفائقة التي ترسم الصورة الكاملة للحقيقة باعتباره مسؤول عن الوسيلة الوسيطة لنقل المعلومة ، بشكل حيادي كما يفترض . إنما على أرض الواقع الإعلام الغربي محصور بين النازية و الإخفاء و التصيد بهدف الإبقاء في الفلك القطعاني .