الذكاء الاصطناعي وصنع القرار: فرص ذكية.. وتحديات تحتاج إلى حوكمة ذكية

الذكاء الاصطناعي في صنع القرار: بين تعزيز الكفاءة وضرورات الحوكمة

 

كتب باهر رجب

في ظل الثورة الرقمية التي تجتاح العالم،

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تكنولوجية، بل تحول إلى شريك استراتيجي في عمليات صنع القرار عبر القطاعات كافة.

يسلط العدد العاشر من مجلة “آفاق إدارية” الضوء على هذا التحول الجوهري، مستكشفا الفرص غير المسبوقة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، إلى جانب التحديات الأخلاقية والقانونية التي تستوجب موازنة دقيقة بين الابتكار والمسؤولية.

 

 

الثورة الخفية: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل اليات القرار؟

 

أصبحت قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة البيانات الضخمة وتقديم تنبؤات دقيقة عاملا محوريا في تعزيز كفاءة القرارات. في القطاع الصحي ، تستخدم الخوارزميات لتشخيص الأمراض مثل السرطان بدقة تفوق البشر في بعض الحالات،

وفقا لدراسات سابقه في التمويل، فأنظمة كشف الاحتيال المدعومة بالذكاء الاصطناعي قلصت الخسائر بنسبة تصل إلى 30% في بعض البنوك العالمية.

حتى على مستوى الحكومات، يسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين تخصيص الموارد،

كما في نموذج إستونيا الرائد، حيث حولت 99% من خدماتها الحكومية إلى منصة رقمية متكاملة،

مما خفض التكاليف الإدارية بنسبة 50%.

 

 

التحديات الخفية: عندما تتحول الأداة إلى تهديد

 

رغم الإمكانات الهائلة، تواجه تطبيقات الذكاء الاصطناعي عقبات جوهرية:

1. التحيز الخفي :

تبنى الخوارزميات على بيانات تاريخية قد تعكس تمييزا مجتمعيا.

على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن بعض أنظمة التوظيف الذكية تفضل المرشحين الذكور في مجالات الهندسة.

 

2. إشكالية المساءلة :

من يتحمل المسؤولية عند فشل قرار آلي؟ في حالة حادث مروري تسبب فيه سيارة ذاتية القيادة،

تثار تساؤلات حول مسؤولية المطورين مقابل المستخدمين.

 

3. الشفافية المفقودة :

تعمل بعض النماذج كـ”صناديق سوداء“، حيث يصعب فهم آلية اتخاذها للقرارات،

مما يهدد الثقة العامة، خاصة في قطاعات حساسة مثل القضاء.

 

 

حوكمة الذكاء الاصطناعي: دروس من الواقع

 

لضمان الاستخدام المسؤول، تبرز الحاجة إلى أطر تنظيمية متكاملة:

 

– النموذج الأوروبي :

يصنف قانون الذكاء الاصطناعي الجديد التطبيقات حسب مستوى الخطورة، و يحظر استخدامها في المراقبة الجماعية أو التلاعب السلوكي.

 

– المعايير الدولية :

تشدد مواصفة ISO 42001 على ضرورة توثيق عمليات تطوير النماذج وضمان شفافيتها،

وهو ما تبنتها دول مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية.

 

– الدور العربي :

يبرز مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري كنموذج في دمج الذكاء الاصطناعي في السياسات العامة مع الحفاظ على الخصوصية، مثل مشروع الرقم القومي الذكي.

 

 

المستقبل: شراكة ذكية لا صراع

 

التجارب الناجحة تظهر أن التعاون البشري الالي هو المفتاح:

 

– في إدارة الكوارث :

تستخدم الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالاعاصير في جزر المحيط الهادئ،

مع إشراك المجتمعات المحلية في تحليل البيانات.

 

– في الصناعة  :

تعتمد الشركات على نموذج “التوجيه البشري للالة“، حيث تراجع قرارات الذكاء الاصطناعي من قبل الخبراء لضمان التوافق مع القيم الأخلاقية.

 

 

الخلاصة: نحو ذكاء موجه بالقيم

 

الذكاء الاصطناعي ليس بديلا عن الحكمة البشرية

بل هو مرأة تعكس قيم من صممه.

فإن نجاح هذه التقنيات مرهون بقدرتنا على تطوير

أخلاقيات رقمية” تدرج العدالة والشفافية في صميم التصميم. في النهاية،

الذكاء الاصطناعي بوصلة تهدينا إلى المستقبل، لكن الإنسان يظل ربان السفينة الذي يحدد الاتجاه“.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.