ريهام طارق تكتب:الصحفيون يقتلون في ظل الصمت الدولي تجاه المجازر في غزة

من يملك حق البقاء في وطن محاصر؟ ومن يملك الجرأة ليقول "لا" في وجه القوة العمياء؟

في فجر اليوم الإثنين، تسارعت مشاهد الدم والدخان، لـ تختزل حجم المأساة المتفاقمة في قطاع غزة، بعدما أقدم الجيش الإسرائيلي على تنفيذ غارة جوية استهدفت خيمة للصحفيين داخل مجمع مستشفى ناصر بمدينة خان يونس.

تحليل: ريهام طارق 

 أسفر عن هذا مقتل مصوّر صحفي وإصابة آخرين، بينهم محمود عوض، أحد أبرز مصوري قناة الجزيرة، هذه الحادثة جاءت لتكريس نمطا تصاعديا في استهداف الكوادر الإعلامية في غزة، والذي بلغ في الآونة الأخيرة مستويات تُنذر بتحوّل الإعلام نفسه إلى ساحة مواجهة موازية.

اقرأ أيضاً: رفح سقطت : هل نهاية غزه ستكتب علي أرض سيناء؟

لا يمكن قراءة هذا الهجوم على الصحفيين بوصفه حدثًا عارضًا أو ناتجًا عن “خطأ عملياتي”، كما تدّعي الرواية الإسرائيلية التقليدية بل يمكن اعتباره حلقة ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات التي تعكس رغبة إسرائيلية في السيطرة على سردية الحرب واحتكار الرواية، من خلال إسكات الأصوات المستقلة التي توثّق جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان. 

اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: إعمار غزة.. هل تنجح الخطة المصرية أم تُوأد في مهدها؟

الحياد المهني لم يعد آمنًا تحت القصف الإسرائيلي:

إن ضرب الخيمة الإعلامية داخل منشأة طبية يتجاوز دلالاته العسكرية، ليُشكّل رسالة رمزية مفادها أن حتى “الحياد المهني” لم يعد آمنًا تحت القصف الإسرائيلي.

رشقة صاروخية أعلنت كتائب القسّام مسؤوليتها عنها استهدفت مدينة أسدود:

هذا التصعيد جاء متزامنًا مع رشقة صاروخية أعلنت كتائب القسّام مسؤوليتها عنها، استهدفت مدينة أسدود، ما يشير إلى محاولة المقاومة الفلسطينية فتح خطوط استنزاف جديدة تُربك الحسابات الإسرائيلية في العمق، وتُظهر أن القطاع، رغم ظروفه القاسية، لا يزال يمتلك أدوات الردع والضغط والرد الإسرائيلي بحسب تصريحات ناطقه العسكري، تمثل في استهداف منصات إطلاق الصواريخ، غير أن الوقائع الميدانية تقول إن الأهداف امتدت لتشمل المنازل، الملاجئ، والمراكز الطبية.

علي الجانب الآخر يتصاعد التوتر في الضفة الغربية، لا سيما مع حادثة قتل فتى فلسطيني أميركي في بلدة ترمسعيا على يد مستوطن إسرائيلي، هذا الحادث لا يعبّر عن سلوك فردي بقدر ما يندرج ضمن استراتيجية العنف الاستيطاني المنهجي، الذي بات يتخذ طابعًا مؤسسيًا يتقاطع فيه دعم الجيش للمستوطنين مع تقاعس النظام القضائي الإسرائيلي عن محاسبة الجناة الاحتفاظ بجثمان القتيل، في مخالفة واضحة للمعايير الدولية، يُعد دلالة إضافية على أن السلطة القائمة على الأرض باتت تستبيح القانون والعدالة معًا.

لا يمكن فصل غزة عن الضفة الغربية لا جغرافيا ولا سياسيا:

الوضع القائم يكشف تحولاً لافتا في قواعد الاشتباك لم يعد ممكناً فصل غزة عن الضفة الغربية لا جغرافيا ولا سياسيا، و التفاعل المتزامن للجبهتين يعكس انزلاقًا نحو نمط من الصراع المتعدد المسارات، حيث تواجه إسرائيل تحديا في فرض تهدئة موضعية دون التعامل مع جذور الأزمة الكلية، فيما تسعى القيادة الإسرائيلية إلى فرض معادلة “ردع شاملة”، لا تكتفي باستهداف البنية العسكرية للمقاومة، بل تمتد إلى الفضاءين الإعلامي والمجتمعي، كجزء من تصور أمني يرى في كل من يحمل الكاميرا أو القلم تهديدًا موازيًا لحامل السلاح.

في المقابل، اعتمدت فصائل المقاومة الفلسطينية، رغم ضيق الخيارات، على تكتيك الضغط المركّز والمحدود، مستفيدة من زخم الرفض الشعبي في الضفة الغربية، ومن الانكشاف المتزايد للانتهاكات الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي، خاصة مع مقتل صحفيين وعاملين إنسانيين في ظروف تُوثّقها العدسات التي نجت من الغارات.

الصمت الدولي يثير تساؤلات جدية حول مصداقية حماية المدنيين والصحفيين:

ما يفاقم المشهد هو الصمت الدولي المريب، الذي يثير تساؤلات جدية حول مصداقية حماية المدنيين والصحفيين خلال النزاعات المسلحة فحين يُقتل فتى يحمل الجنسية الأميركية دون إدانة واضحة من واشنطن، وحين تُقصف منشأة طبية تؤوي صحفيين دون رد فعل من المؤسسات الحقوقية الكبرى، يصبح السؤال عن “ازدواجية المعايير” أكثر من مجرد شعار سياسي، بل اتهامًا أخلاقيًا بحق حضارة تدّعي قيادة العالم الحر.

من يملك حق البقاء في وطن محاصر؟ ومن يملك الجرأة ليقول “لا” في وجه القوة العمياء؟

الواقع أن المشهد الفلسطيني لم يعد مجرد “حالة أمنية”، بل بات ساحة لاختبار المفاهيم، مفهوم العدالة، مفهوم الإنسانية، ومفهوم الكلمة الحرة، مع كل عدسة تُحطم، ومع كل طفل يُقتل، يُنتزع جزء من الضمير العالمي ومع استمرار الهجمات، يتضح أن ما يحدث هو معركة على المعنى، من يملك الحق في رواية الحقيقة؟ من يملك حق البقاء في وطن محاصر؟ ومن يملك الجرأة ليقول “لا” في وجه القوة العمياء؟

هل سيبقى العالم يقف في مقعد المشاهد حتى تتلاشى الحقيقة بالكامل تحت الركام؟

لعل أكثر ما يعبر عن حقيقة اللحظة الراهنة، ليس فقط أزيز الطائرات، ولا أنين المصابين، بل تلك الكاميرا المحطمة بين أنقاض المستشفى، التي كانت عينا ترصد الجريمه كامله… قبل أن يطفأ نورها.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.