العشر الأواخر: نفحات الرحمة وليالي العتق. و ليلة القدر وقيام الليل
العشر الأواخر: ذروة العبادة لقاء مع الحبيب في سكون الليل وتراتيل الخشوع بموسيقى الروح
كتب باهر رجب
يهل علينا شهر رمضان المبارك كل عام كضيف كريم يحمل معه نفحات الرحمة والمغفرة، وتتضاعف هذه النفحات وتزداد بركتها في العشر الأواخر منه. الليله أول ليله منها وهذه الليالي المباركة تحمل في طياتها ليلة القدر، الليلة التي هي خير من ألف شهر، وتدعونا إلى الاجتهاد في العبادة والتقرب إلى الله عز وجل.
تتميز العشر الأواخر من رمضان بفضل عظيم ومكانة خاصة في قلوب المسلمين. كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيها اجتهادًا لا يجتهده في غيرها، فكان يحيي ليله ويوقظ أهله ويشد مئزره، إشارة إلى الاستعداد التام والجدية في العبادة. ففي هذه الليالي تتنزل الملائكة بالرحمة والبركة، وتُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار، وتُجاب الدعوات وتُغفر الذنوب.
ومن أعظم العبادات التي يُستحب الإكثار منها في هذه الليالي المباركة قيام الليل. فصلاة الليل هي دأب الصالحين وشعار المتقين، وهي من أقرب ما يكون العبد من ربه. في هدوء الليل وسكونه، يتفرغ المسلم لمناجاة خالقه، والتضرع إليه، وسؤاله من فضله العظيم. إنها لحظات روحانية تسمو فيها النفس وتتطهر فيها الروح، وتزداد فيها الصلة بالله عز وجل.
ولذة قيام الليل تزداد حلاوة وخشوعًا عندما يُوفق المسلم للصلاة خلف إمام يمتلك صوتًا عذبًا وتلاوة خاشعة. فالصوت الجميل والتلاوة المؤثرة للقرآن الكريم لها وقع خاص على القلوب، فهي تخترق الحجب وتصل إلى شغاف الروح، فتزيد من تركيز المصلي وتعمق إحساسه بمعاني الآيات. عندما يرتل الإمام القرآن بصوت ملائكي، يأخذنا معه في رحلة روحانية إلى عالم آخر، عالم يملؤه السكينة والخشوع، فنشعر بعظمة الخالق وجلاله، ونستشعر رحمته ولطفه.
إن الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم بصوت جميل له تأثير عجيب على النفس. فالقرآن هو كلام الله، وهو النور الذي يضيء لنا دروب الحياة، وهو الشفاء الذي يداوي أمراض القلوب. عندما يُتلى القرآن بصوت عذب، تتفتح له القلوب وتنصت له الأسماع، وتخشع له الجوارح. إنه غذاء للروح وبلسم للجراح، يزيد الإيمان ويقوي اليقين.
فيا أيها المسلمون، اغتنموا هذه العشر الأواخر من رمضان، واجتهدوا فيها في العبادة والطاعة. أحيوا لياليها بالصلاة والذكر والدعاء، والتمسوا ليلة القدر فيها، فإنها فرصة عظيمة لا تُعوض. واسعوا إلى الصلاة خلف أئمة يتمتعون بأصوات ندية وتلاوات خاشعة، واستمعوا إلى القرآن الكريم بتدبر وخشوع، لعل الله أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتق رقابنا من النار.
نسأل الله العظيم أن يوفقنا لقيام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، وأن يتقبل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا، وأن يجعلنا من عتقائه من النار في هذا الشهر الكريم. اللهم آمين.
رمضان، شهر البركات والرحمة، يحمل بين أيامه جوهرة ثمينة هي العشر الأواخر، التي تُعتبر ذروة العبادة والمناجاة، وأسرارها تكمن في ليلة القدر، الليلة التي “خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ” (القدر: ٥). هذه الليلة المباركة، التي أُنزل فيها القرآن هداية للناس، تُجسد لقاءً إلهيّاً بين العبد وربّه، حيث تُفتح أبواب السماء، وتُنزل الملائكة بالرحمات، وتُغفر الذنوب لمن أحيى ليلها بإيمان واحتساب.
العشر الأواخر: مدرسة التقوى والاجتهاد
في هذه الأيام، يتضاعف اجتهاد النبي محمد ﷺ وأصحابه في العبادة، حيث كان ﷺ يُحيي الليل كله، ويوقظ أهله للصلاة، ويجتهد في الدعاء والذكر.
هذه الليالي فرصة ذهبية لـ تجديد العهد مع الله، عبر:
– قيام الليل:
صلاة التهجد التي تملأ القلب سكينةً، وتُزيل هموم الدنيا.
– الاعتكاف:
الانقطاع عن المشاغل الدنيوية والانكباب على العبادة في المسجد.
– الدعاء:
خاصة في الثلث الأخير من الليل، حين ينزل الله إلى السماء الدنيا.
– تلاوة القرآن:
بتدبّرٍ وخشوع، كأنه يُنزل عليك .
قيام الليل: لقاء مع الحبيب
لا شيء يُعادل حلاوة الوقوف بين يدي الله في ظلمة الليل، حين يخلو المؤمن بربه، يسكب أشواقه في سجوده، ويُردد: “يا رب، يا كريم، اغفر وارحم”.
والصلاة خلف إمام صوته جميل تُضفي على اللحظة بهاءً روحانيّاً، حيث تتجسد أنغام الآيات في ترتيل ملائكي يلامس الأعماق. فصوت الإمام النديّ، المليء بالخشوع، يُذكّر المؤمنين بجمال كلام الله، ويجعلهم يُسبحون في بحر من الطمأنينة، وكأن الملائكة تحفّهم في صفوفهم.
تلاوة القرآن بصوت ملائكي: موسيقى الروح
عندما يتلو الإمام الآيات بـ صوتٍ يشبه الأنغام السماوية،
كأنما الجنان تتراءى للمصلين. هذه التلاوة ليست مجرد إتقانٍ للمقامات، بل هي إحساسٌ يُحرك القلوب، ويجعل العين تدمع، والروح تُسبّح. في سورة الرحمن، أو آيات السجدة، أو في دعاء القنوت، يصل المؤمن إلى ذروة الخشوع، وكأنه يسمع القرآن لأول مرة. وهذا هو سرّ الاقتداء بإمامٍ يجمع بين إتقان التلاوة وإخلاص النية
ليلة القدر: كنز العبادة الخفي
التمسوا ليلة القدر في الليالي الوترية من العشر الأواخر (٢١، ٢٣، ٢٥، ٢٧، ٢٩)، وقد أخفاها الله لنجتهد في طلبها. علاماتها تُروى في الأحاديث: كطلوع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها، أو طمأنينة غامرة في القلب. الدعاء الأفضل فيها: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.
اغتنموا الفرصة قبل الفوات
العشر الأواخر هدية إلهية لـ تصفية الروح و تعديل المسار. فلا تدعوا الفرصة تفوتكم، واجعلوا من قيام الليل والصلاة خلف الإمام ذي الصوت الملائكي جسراً للقرب من الله. تذكروا أن ليلة واحدة قد تُغير مصيرك إلى الأبد، فـ “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ” .
فلنُحيي قلوبنا بالقرآن، ولنُضيء ليالينا بالدعاء، ولنكن ممن يُقال لهم عند الفجر: اغدوا مغفوراً لكم.