بشرى تضع النقاط على الحروف: أين تكريم الكبار في مهرجاناتنا؟
بشرى تضع النقاط على الحروف: أين تكريم الكبار في مهرجاناتنا؟
بشرى تضع النقاط على الحروف: أين تكريم الكبار في مهرجاناتنا؟
أثارت الفنانة بشرى حالة من الجدل والتفاعل بعد تصريحاتها الجريئة في أحد البرامج التلفزيونية الأخيرة، والتي تناولت خلالها غياب الفنانة غادة عبد الرازق عن الساحة التكريمية في المهرجانات والفعاليات الفنية، رغم تاريخها الطويل في الدراما المصرية والعربية. تصريح بشرى لم يمر مرور الكرام، بل أعاد إلى الواجهة نقاشًا طالما طُرح في الأوساط الفنية والإعلامية حول معايير التكريم في المحافل الفنية، ومن يستحق أن يُكرَّم، ومن يُغيب ظلماً أو تجاهلاً.
كتب: هاني سليم
بشرى: “من حق غادة أن تنسحب حين لا تجد تقديرًا”
في تصريحاتها، عبّرت بشرى عن تعاطفها الكامل مع غادة عبد الرازق، مشيرة إلى أن شعور الفنان بعدم التقدير قد يكون دافعًا مشروعًا لانسحابه من المهرجانات، ولو مؤقتًا. وقالت:
“من حق غادة أن تغيب عن المهرجانات الفنية، لأن التكريمات لها دور كبير في تحفيز الفنان، وهي حتى الآن لم تحصل على التكريم الذي يليق بتاريخها الطويل.”
وأضافت أن غادة ليست مجرد فنانة تقف أمام الكاميرا، بل أيقونة درامية صنعت لنفسها مكانة مرموقة في وجدان الجمهور العربي، من خلال عشرات الأدوار المركّبة التي تميزت بالقوة والواقعية، مشيرة إلى أن تكريم الفنان لا يجب أن يكون مشروطًا بالحضور الدائم في الإعلام أو بالمجاملات، وإنما بالعطاء الحقيقي والتأثير الفني المستمر.
غادة عبد الرازق.. رصيد ثقيل وإنجازات بلا مقابل
منذ بداياتها في تسعينيات القرن الماضي، تمكّنت غادة عبد الرازق من إثبات نفسها كواحدة من أبرز نجمات الدراما في العالم العربي. لم تعتمد في نجاحها على شكل أو شهرة عابرة، بل على موهبة متطورة وقدرة عالية على تقديم شخصيات نسائية معقدة تنتمي إلى شرائح مختلفة من المجتمع.
قدّمت غادة في مسيرتها الفنية أدوارًا تتراوح بين المرأة المقهورة والمتمرّدة، الطيبة والشريرة، الضحية والجانية، وكانت دومًا تطرح أسئلة صعبة عن واقع النساء في المجتمع العربي. هذا التنوع أكسبها احترام الجمهور والنقاد، لكنه – ولأسباب غير واضحة – لم ينعكس دائمًا على شكل جوائز أو تكريمات مستحقة.
وفي موسم رمضان الماضي، عادت عبد الرازق إلى الشاشة الصغيرة من خلال بطولة مسلسل “شباب امرأة”، وهو معالجة درامية حديثة للفيلم الكلاسيكي الشهير الذي يحمل الاسم ذاته. قدّمت في العمل شخصية “شفاعات”، المرأة القوية المثيرة للجدل، التي تتحدى الأعراف الاجتماعية في زمن يعاقب الاختلاف. ورغم أهمية الدور، والإشادة بأدائها، غابت مرة أخرى عن قوائم المكرَّمين في أبرز المهرجانات الفنية، ما أعاد التساؤلات حول ما إذا كانت هناك فجوة فعلية بين العطاء الفني والتقدير الرسمي.
بشرى في “سيد الناس”: أداء يذكّر بالحضور النوعي
على الطرف الآخر، كانت بشرى نفسها جزءًا من موسم درامي ناجح، عبر مشاركتها في مسلسل “سيد الناس”، الذي لاقى رواجًا جماهيريًا ونقديًا واسعًا. المسلسل، من إخراج محمد سامي وتأليف ورشة “قلم”، شارك فيه نخبة من النجوم على رأسهم عمرو سعد، أحمد زاهر، ريم مصطفى، إلهام شاهين، وغيرهم.
في هذا العمل، أدّت بشرى دورًا رئيسيًا لاقى استحسان الجمهور، وأعادها إلى دائرة الضوء، بعد فترة من الغياب عن الأعمال الدرامية الكبرى. وعلّقت بشرى لاحقًا على عودتها قائلة إن الفن بالنسبة لها لا يرتبط بالكم، بل بجودة العمل وتوقيته المناسب، ما يشير إلى أنها تنتمي إلى مدرسة “الاختيارات المدروسة” أكثر من “الحضور المستمر”.
مهرجانات بلا ذاكرة طويلة؟
الجدل الذي فتحته تصريحات بشرى يتجاوز شخص غادة عبد الرازق، ليطرح إشكالية أوسع تتعلق بوظيفة المهرجانات الفنية ودورها الحقيقي. فهل يجب أن تُكرِّم الأسماء الأكثر ظهورًا على الساحة؟ أم أولئك الذين تركوا بصمة حقيقية عبر الزمن؟ هل باتت معايير التكريم مرهونة بالتغطية الإعلامية ومدى القرب من دوائر العلاقات العامة؟
يرى نقاد أن العديد من المهرجانات، خصوصًا تلك التي تفتقر إلى لجان تحكيم مستقلة وشفافة، أصبحت تميل إلى تكريم النجوم الذين يحظون بزخم آني، وتُهمل من قدّموا أعوامًا من الجهد والتفرغ للفن دون أن يكونوا “صاخبين إعلاميًا”. في هذا السياق، تصبح حالات مثل غادة عبد الرازق نموذجًا لفنانين تم تهميشهم مؤقتًا، رغم مكانتهم الفنية الثابتة.
رسالة بشرى: دعوة لإعادة النظر
من خلال حديثها، أطلقت بشرى رسالة غير مباشرة إلى القائمين على المؤسسات الفنية والمهرجانات، مفادها أن “التكريم الحقيقي هو اعتراف بقيمة فنية، لا خدمة علاقات عامة”. وأكدت أن الفنانين بحاجة إلى التقدير بقدر ما يحتاجون إلى المساحة الإبداعية، وأن إهمال تكريم من صنعوا ذاكرة فنية كاملة سيؤثر على جيل كامل من الفنانين الصاعدين الذين يراقبون المشهد عن كثب.
واختتمت تصريحها برسالة واضحة:
“لا يمكننا أن نطلب من الفنانين الالتزام بالمهرجانات ودعمها إذا كنا لا نمنحهم الاعتراف المستحق. التكريم ليس رفاهية، بل هو حق، وهو ما تحتاج إليه أسماء كثيرة غُيِّبت بلا سبب مقنع.”
هل نشهد صحوة تكريمية قريبًا؟
رغم الغياب، يبقى حضور غادة عبد الرازق مستمرًا في وعي الجمهور، بفضل أعمالها التي شكّلت جزءًا من الذاكرة الدرامية العربية. ويأمل كثيرون أن تشهد السنوات المقبلة مراجعة حقيقية لمعايير التكريم، تعيد الاعتبار لفنانين صنعوا مجد الشاشة، ولكنهم ظلّوا خلف كواليس الجوائز.
وفي النهاية، يبقى ما قالته بشرى تلخيصًا صريحًا لحال كثير من النجوم:
“لا قيمة لمهرجان لا يتذكّر من منح الفن عمره كله.”