تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
عــاجل
- شنايدر إلكتريك تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة من مدرسة إلكترو مصر للتكنولوجيا التطبيقية لدعم التعليم الفني
- شنايدر إلكتريك تحتفل بتخريج الدفعة الرابعة من مدرسة إلكترو مصر للتكنولوجيا التطبيقية لدعم التعليم الفني
- صندوق الأمم المتحدة للسكان يوقع مذكرة تفاهم مع مستشفى أهل مصر لعلاج الحروق لتقديم خدمات لضحايا الحروق
- غدا الاحد..انطلاق مؤتمر المحاسبين العرب الدولي بالقاهرة
- مدبولي يوجه بسرعة الاستجابة لشكاوى ذوي الهمم ويؤكد: لهم كل الدعم والاهتمام
- الأهلي يتقدم بشكوى للنائب العام ضد مدحت شلبي
- من الملاعب إلى قفص الاتهام.. حبس اللاعب السابق علي غزال بتهمة النصب
- انخفاض أسعار السيارات 20%.. الغرف التجارية تكشف الأسباب
- الصحة العالمية توضح حقيقة علاقة الباراسيتامول بمرض التوحد
- الذهب يحقق قفزة تاريخية في مصر.. وعيار 21 يسجل 5050 جنيها
مرّت بين الركام، باحثة عن أفراد أسرتها الذين فقدتهم إثر آخر قصف للعدو طال هذا الحيّ السكني، فحوّله إلى حطام في رمش العين. كانت حافية القدمين، مبعثرة الملابس والشعر، مكسوّة بالتراب والغبار، يلتصق بجسدها دم لم تعلم مصدره، باكية، صائحة، منادية على أهلها بأسمائهم واحدًا واحدًا، دون أن تسمع جوابًا.
نبشت بين الحطام، حفرت التراب، نحتت بقايا البنايات وهي تصيح بصوتها المتقطع: «هل هناك شخص هنا؟ هل من جريحٍ يرجو عونًا ممن هم فوق الأرض؟» ثم تعيد مناداة أهلها حتى كادت تفقد الأمل.
جابت الشوارع مع جموع الناس، كلٌّ يبحث عن مفقوديه، عن مصابين يمكن إنقاذهم وتمكينهم من الحياة ما دام في العمر بقية. تسلّحوا بالأعواد والحجارة، بقضبان الحديد، ببعض الأسلحة البيضاء، وبالمعاول للحفر والتنقيب عن أحياء بين الأموات.
أنقذوا بعض الجرحى، استخرجوا كثيرًا من الجثث والأشلاء، وتمكّنوا من الحصول على بعض المأكولات والمياه والمال والملابس الصالحة للاستعمال. عثر بعضهم على مفقوديهم أمواتًا أو جرحى بعد جهد جهيد، عكس قدس التي لم تجد أحدًا بعد.
لم تيأس، لم تستسلم، لم ترمِ المنديل. ورغم غروب الشمس وتناثر الغبار في كل مكان نتيجة القصف المتواصل، أصرت على تعميق البحث ومواصلته، وقد باتت وحيدة تستأنس بصوت الرصاص، ورائحة الموت التي غمرت المكان، وبركات الدماء التي غطّت الأرض.
كادت تفقد عقلها وتوازنها. جاعت، عطشت، نال منها التعب والإعياء، لكنها لم تتوقف. صور الصباح لم تغادر مخيلتها البتة، بل زادت عذابها واغترابها وحقدها وسخطها على هذا العدو الأرعن الذي تجاوز كل القوانين والمواثيق الدولية، تجاهل المحاكم والرفض الدولي لما يقوم به، حتى بات يرى نفسه فوق القانون — وهو كذلك فعلاً _.
فقد تذكّرت ما حدث صباحًا: استفاقت فجراً على صوت البارود وصياح المواطنين وهرعهم وجزعهم. جرت وعائلتها مع الجيران، فرّوا بسرعة قبل أن يستهدف القصف المخيم بوابل من صواريخ الطائرات الحربية. انتشروا في كل مكان دون تفكير أو تخطيط، وتواروا عن الأنظار مختبئين بين ركام البنايات وحطامها، لكن ذلك لم يرحمهم؛ إذ أعاد العدو قصف المكان بأكمله دون شفقة أو رحمة، أمطر الأرض بصواريخه القاتلة التي قضت على جلّ هؤلاء الأبرياء حتى لم يعد مكانهم معروفًا أو سهل الوصول إليه.
أما قدس، فقد اختبأت في مدخل بناية لم تطلها رميات العدو بعد، مع بعض الفتيات والفتيان. حبسوا أنفاسهم، تحدّوا الواقع وتشبّثوا بالحياة، تابعوا تطاير أشلاء ذويهم في السماء وهم يصيحون: «الله أكبر! الله أكبر! إنّا لله وإنّا إليه راجعون!». ارتجفوا، أُغمي على بعضهم — وكانت قدس منهم — وبقوا هناك حتى هدأت الأجواء واطمأنوا لغياب الطائرات الحربية عن سمائهم، ثم تحركوا بحثًا عن أهاليهم.
المزيد من المشاركات
سُمِع أنين تحت كومة من الأحجار. اجتمع الحضور، حاولوا إنقاذ صاحب الصوت ومن معه. تقوّوا على هذه الكتل رغم تواضع أدواتهم، وضاعفوا من مجهوداتهم حتى نجحوا في الوصول إلى الجريح، فإذا هو عجوز مسن لم يظهر من وجهه شيء غير التراب والدم. لم يستطع الحراك وهو يتأوّه ويتوجّع، ومع ذلك فقد حملوه إلى المشفى — لكن طريقة الحمل الخاطئة عقّدت صحته وعجّلت بموته.
وما زالوا يبحثون عن أحياء حتى عثروا على جميع أفراد عائلة قدس جثثًا غارقة في دمائها، مما جعلها تصرخ صرخات متتالية زلزلت سكون المكان وأزعجت الكلاب السائبة التي كانت تنهش الجثث المنتشرة يمنة ويسرة.
ثارت قدس، هاجت، ماجت، عربدت، توعّدت، والناس يحاولون تهدئتها وحثها على ذكر الله والتسلح بالصبر والسلوان، إلا أنها قررت القصاص لأهلها والنيل من العدو قدر الإمكان. فقد آمنت أنها ميتة لا محالة، سواء بقيت فوق الأرض أو تحتها، من هذه اللحظة.
نفضت عنها الغبار، ودّعت أهلها بعد أن قبّلتهم جميعًا ورافقتهم إلى المشفى. بحثت عن مشاة العدو في تلك الظلمة القاتمة وهي تحمل سكينًا كبيرًا بين ملابسها. تفطّنت إلى فيلق من جيش العدو يتجوّل في محيط المشفى مدجّجين بأسلحتهم الفتاكة ودباباتهم المرعبة، لكنها لم تعد تخاف.
تقدّمت نحوهم والغضب يعتريها، الشر يتطاير من عينيها، احمرّ وجهها، تسمرت عيناها في موقع العدو. سكنها الشيطان ولم تعد تسمع أحدًا حتى حين قال أحد الجنود بعربيته الركيكة:
– قفي! الزمي مكانك! (لم تسمع، واصلت السير في اتجاههم).
توقفي أيتها الساقطة
– (زميل له) حذاري، إنها مسلّحة! (كذبًا وافتراءً).
– (ثالث مستهزئًا) إنها جميلة وجذابة، دعوها تقترب لننال منها.
– (رابع، وهو قائدهم) كفّوا عن الهراء جميعًا! (يحذرها من مغبّة تقدمها ويحثها على التوقف فورًا). أطلق النار على رجلها أيها الجندي.
سقطت في مكانها صائحة، متألمة، باكية، مستجدية، لكنها في داخلها كانت تعزم على الثأر من هؤلاء المجرمين. نادت الجنود، لكنهم تجاهلوها في البداية وقد أشهروا السلاح في وجهها استعدادًا لتصفيتها. إلا أن أحدهم تقدّم دون استئذان قائده نحو قدس ليتهكّم ويسخر منها وينعتها بأبشع النعوت.
استلّت سكينها بسرعة، وغرسته في قلب الجندي وهي تبصق على وجهه. أفرغ رصاص رشاشه في جسدها العليل الذي نال منه الجوع والعطش والأوبئة، قبل أن تطالها رصاصات بقية الجنود حتى ثقبت جسدها من كل مكان، فارتقت شهيدة جديدة شاهدة على وحشية هذا العدو وقذارته.
المقال السابق
المقال التالى
قد يعجبك ايضآ
- تعليقات
- تعليقات فيسبوك
- Disqus التعليقات