ريهام طارق تكتب: غزة على صفيح ساخن ..احتلال يرتدي قناع التحرير وإعادة الإعمار

مشروع استعماري جديد بحلة حديثة

لا يزال دونالد ترامب مصمماً على إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق رؤيته الخاصة، وهذه المرة عبر اقتراح غير مسبوق يسعى إلى فرض سيطرة أميركية مباشرة على قطاع غزة، بذريعة “تحريره” من حركة حماس.

مسقط: ريهام طارق

هذه الخطوة، التي ايديها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، تثير العديد من التساؤلات حول النوايا الحقيقية وراء هذا المخطط، كما تثير المخاوف من تداعياته الكارثية على القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها.  

الوجه الاخر للخطة.. تهجير واحتلال تحت شعار التحرير:  

في اقتراحه الأخير، لم يكتف ترامب بالدعوة إلى إخراج حماس من غزة، بل تجاوز ذلك إلى الحديث عن تهجير الفلسطينيين بشكل دائم إلى دول الجوار، في خطوة تشبه “التطهير العرقي“، وهذا ما رفضته المنظمات الحقوقية وخبراء القانون الدولي. وقد أثارت هذه التصريحات غضب القادة الفلسطينيين والعرب، الذين رأوا فيها استمراراً لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، بدلاً من البحث عن حل عادل ودائم.  

التصريحات التي أدلى بها روبيو على منصة “إكس” زادت المشهد غموضاً، حيث قال: “يجب تحرير غزة من حماس، وكما أشار الرئيس، فإن الولايات المتحدة مستعدة لقيادة غزة وجعلها جميلة مرة أخرى”. 

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تهدف هذه الخطة حقاً إلى إعادة إعمار غزة، أم إلى وضعها تحت وصاية أميركية جديدة تضمن مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة؟  

أبعاد ودلالات الخطة.. عودة إلى الاستعمار المباشر؟

تاريخياً، لم يكن التدخل الأميركي المباشر في إدارة المناطق المحتلة سابقة جديدة، فقد شهدنا محاولات مشابهة في العراق و أفغانستان، حيث أدى التدخل الأميركي إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، لذا، فإن اقتراح وضع غزة تحت إدارة أميركية يثير العديد من المخاوف، من بينها:  

شرعنة الاحتلال الإسرائيلي: 

رغم أن إسرائيل نفسها لم تعلن موقفاً واضحاً من الفكرة، فإن واشنطن تعمل بشكل وثيق معها، ومن غير المستبعد أن يكون هذا الاقتراح وسيلة لتخفيف الضغط الدولي على إسرائيل بعد جرائمها في القطاع.  

إجهاد السيادة الفلسطينية:

أي وجود أميركي في غزة، سواء تحت مسمى إعادة الإعمار أو “السلام”، سيشكل ضربة قاصمة لأي جهود لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة.  

إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية:

إذا نُفذ هذا المخطط، فقد يؤدي إلى تغيير التوازنات في الشرق الأوسط، حيث ستجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مباشرة مع قوى إقليمية مثل إيران وتركيا، بالإضافة إلى الغضب الشعبي العربي.  

اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: الضغوط الأمريكية على مصر والأردن وتحديات القضية الفلسطينية

الرفض الفلسطيني والعربي.. لا مكان لخطط التهجير:

سارعت القيادة الفلسطينية، ومن خلفها الدول العربية، إلى رفض تصريحات ترامب و روبيو، مشددة على أن غزة أرض فلسطينية، ولا يمكن لأي قوة دولية أن تفرض وصايتها عليها، كما حذر الخبراء القانونيين من أن أي محاولة لفرض حكم أميركي على غزة ستشكل انتهاكاً للقانون الدولي، وقد تؤدي إلى تصعيد جديد في المنطقة.  

أما على المستوى الشعبي، فإن الفلسطينيين، الذين واجهوا العدوان الإسرائيلي بصمود أسطوري، لن يقبلوا بخيار التهجير، حتى لو جاء بغطاء “السلام وإعادة الإعمار“. فالشعب الذي قاوم الاحتلال لعقود لن يسمح بتحويله إلى لاجئين في دول الجوار، بينما يتم تحويل أرضه إلى قاعدة أميركية جديدة في الشرق الأوسط.  

ترامب وورقة غزة في سباق الرئاسة:

لا يمكن فصل هذا الاقتراح عن محاولات ترامب كسب ود اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، فبعد سنوات من تأييده المطلق لسياسات إسرائيل، يحاول الآن تقديم نفسه كزعيم “حازم” يستطيع فرض حلول جديدة في الشرق الأوسط، ولو على حساب حقوق الشعوب.  

اقرأ أيضاً: ترامب : ليس لدى الفلسطينيين بديل سوى مغادرة غزة

مشروع استعماري جديد بحلة حديثة:

خطة ترامب ليست مجرد اقتراح سياسي عابر، بل هي محاولة لإعادة إنتاج الاحتلال بصيغة مختلفة، واستبدال الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بـ وصاية أميركية مباشرة، ولكن كما أفشلت الشعوب محاولات التهجير السابقة، فإن هذا المخطط أيضاً لن يمر، خاصة في ظل الرفض الشعبي والدولي المتزايد لأي حلول لا تضمن الحقوق الكاملة للفلسطينيين.  

في النهاية.. إذا كان الهدف الحقيقي هو تحقيق السلام، الأولى أن تتوقف آلة القتل الإسرائيلية، وأن يسمح للفلسطينيين بتقرير مصيرهم بحرية، بدلاً من فرض حلول استعمارية جديدة تلبس الاحتلال ثوب “الإعمار”.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.