وأخيرا رأيته أمامي أحقا أنت حبيب العمر
أم إنني أهذي وأصابني مس من الجنون
كنت أنتظر طيلة هذه السنوات وتلك اللحظة
كنت أدعو الله في كل يوم كي أراه ولو، لمرة واحدة فقط أمام عيني في الحقيقة
وقبل أن أموت نعم أراه كل يوم كل ثانية ولم يبرح خاطري أراه برغم البعد والمسافات
أشعر بدقات قلبه بأنفاسه كأنه شبح يرافقني في كل خطوة ولكن حين رأيته أمامي
لأول مرة كان للحقيقة طعم آخر فرق كبير جدا
كالفرق بين الجنة والنار
بين الحياة والممات
بين الوجود والعدم
أحسست بطعم الحياة لأول مرة وكأنني كنت في تعداد الأموات وبعثت بين يديه
حين وقفت أمامه غابت الدنيا من حولي فجأة
كأن الأرض تبدلت غير الأرض
اختفى كل شيء في ثانية لم أرى سوى عيناه التي لطالما لم تفارقني أبدا
ولكنني اليوم فقط اكتشفت أن لها بريقا أقوى عن قرب
فجأة اختفى كل الناس من حولي كأنني في كوكب آخر
وأيضا اختفت كل الأصوات في الشوارع
إلا صوته وهو يلقي السلام وينطق بإسمي
إزيك يا ماجدة
لأول مرة أعرف أن لأسمي رنين يقشعر منه الشريان ها أنا أسمع أسمي ينزل
على قلبي ك حبات من المطر, كجمرات من النار
لكنها لم تحرق بل أثلجت قلبي المتأجج بنار العشق والفراق
و اااااااااه ثم ااااااااااه
حين مد يده وبادر بالسلام
وكان قلبي يخفق بقوة كأنه في حالة حرب ضروس
وخضع اليه بالإستسلام
لم أتردد للحظة واحدة وسارعت إلى يده بمنتهى الشوق واللهفة
والإصرار أن أصافحه وحين لمست يديه أسكرني نبيذها وصرت لا أدري بأي أرض أنا
هل فاضت روحي ودخلت جنات الخلود
أم زاد شوقي ولاأدري بالوجود وتبدلت روحي غير روح
وأصبحت في حالة شرود أظن أنني سحرت حين لمست يديه
فتحولت لفراشة بجناحين أطير كيفما أشاء
أو لعصفورة أغرد فوق الماء وتلك الأغصان
أو ربما تلاشيت وصعدت روحي للسماء
لا أدري ماذا حدث لي
أشعر بدوار يأرجحني ما بين الوعي واللا وعي
أشعر بحنين يجتذ قلبي
وكأن شيء يجذبني ما بين الجنة والنار
أو هب إعصار يخطف قلبي بإصرار
شعرت بخفة غير عادية كأني ريشة بين يديه
حين امسك يدي بقوة وصعد بي إلى عالم آخر فوق الغيم
أسمعني أحلى الكلمات
وهمس لي بكل اللغات
أعشق فيه تلك النظرات وكأنه يحضنني بعينيه
ولا يخشى للناس حكايات يجري بي كل الطرقات
وكأنه يهرب بي من الدنيا يخطفني لأعلى النجمات
كان يطير بي تارة إلى عنان السماء المس السحب
وتارة إلى ينابيع الحب و شلالات الهوى ارتشف من الحب كيفما أشاء وأرتوي
أدخلني إلى مدينة الأحلام نتنقل بين جنبات النعيم
بين ورقات الورود ورحيق الغرام
نرقص على أنغام الشوق ودقدقات القلوب وسيمفونية الهوى
سافرنا بين الكواكب و النجوم على سرج اللهفة والأمنيات نقشنا اسماؤنا على تراب القمر
وسجلنا هذا اليوم على جدران الليل
تشابكت أيدينا منذ أول نظرة دون عناء مثلما تشابكت أرواحنا من قبل دون لقاء
أخذنا نلهو ونمرح نثرثر نضحك نغفو و نحلم
وكأننا في حلم جميل لا نريد أن نستيقظ منه أبدا
أخذ يتحدث إليّ وأنا كل كلي صاغية
اتأمله في صمت أيا أيتها الرموش توقفي كي أراه ولا يغيب عني ثانية
ألا يكفي غياب السنين الماضية ألم تشبعي من البعد
اتركيني معه ولو قليل هكذا رجوتها أن تتوقف لكنها أبت
لا يهم سأبقى تلك المتعلقة بعينيه طوال الحديث بكل اهتمام وشغف
كنت اروي عطش الفراق كل شيء فيه كما تخيلته تماما كما هو
لم استغربه ولم يكن غريب عني بل كان قطعة من روحي
افتقدتها والآن فقط عادت إليّ كان كل شئ داخلي يشتاقه
بعدد قطرات الحنين وعدد الأنفاس والاثنين وعدد ما بيننا من سنين
ولبرهة وضعت رأسي فوق كتفه غلبني الشوق ولأول مرة أشعر بالراحة
منذ زمن بعيد حين لمسته كأنه أزال كل هم أشعر أني لأول مرة أتنفس
وكأني الآن فقط خلقت أغمضت عيني ولكن لم يغمض جفني ولا قلبي
أخذت استسلم لهذا الهدوء كي أتأكد أنه فعلا معي وليس حلم
وكأني كنت في صراع مع العالم والآن فقط انتهي
إحساس لم أشعر به يوما مع أحد بعمري كله
ساد الصمت بيننا ولكن لم تصمت قلوبنا طالما كان بينها حديث لم ينقطع يوما
كنا نتحدث ولكن بلغة أخرى تمنيت أن لا تنتهي هذه اللحظة أبدا وأن تدوم إلى آخر العمر
كان القطار يجري مسرعا بكل ما أوتي من قوة كاد يطير من فوق القضبان وكأنه يستنكر هذه المتعة
و قلبي يرجوه أن يتمهل كي لا ينتهي الوقت كنت أتوسل إلى عقارب الزمن أن تتوقف ولو قليل
وكنا في طريق طويل لا نريد أن ينتهي
كان أول لقاء لنا بعد قصة حب لسنوات لم نلتقي إلا هذا اليوم
فجأة انتهت الرحلة وتوقف النبض اقصد توقف القطار ودق ناقوس الفراق
مهرولة هذه اللحظات وكانت لي توقف الحياة الكل فرح إلا أنا وكأنه ناقوس الوداع
إعلان بميعاد الوفاة كان على أن أعود ولكن قلبي يأبه الرحيل
وكيف لا وقد رد لى حياتي بعودته إليّ
الآن بعد كل هذا الانتظار بعد كل هذا العمربعد كل هذا البعد
وكيف الآن بعدما قابلته بعدما صافحته ولمسته بعدما عادت الروح لي
بعدما شعرت بدفىء قربه بعدما رأيت عينيه بعدما أحياني من جديد
بين يديه كيف أعود ؟ تمنيت لو توقف الزمن ولا أعود
كيف أعود؟ بعدما رد لي العمر والحياة الحب والأمل
كيف أعود؟ بدون قلب بدون روح بدون وجهة بل كيف أعود
بدون أنا؟
ويأبه القدر أن نكمل الحلم والعمر والطريق فقد كان أول وآخر
لقاء لنا فكيف أعود؟!