لغز الدائرة الثالثة

الكاتبة:بسمة يحيي

من وحي طفلٍ صغيرٍ وُجِهَت الصرخات إلی السماء..

الآن الجُنون يُلبي النداء الغامض.

قاطعه معظم الأصدقاء والأقارب بسبب تكراره لسؤال «هل قوى الطبيعة تتحكم بالإله؟»،

بدعوى أنه مجرد رجل كبير السن مخرف أصابته كثرة القراءة بالجنون، حتى أخته الصغيرة قاطعته.

حديثه على أنه كان قطة فرعونية وقد تم ذبحه ليقدم قربانًا للإله آتون أكد للجميع خلله العقلي.

لعل حبه الكبير لوطنه وتأليف القصائد الطوال في مدحه كانا يحفظان له آخر ما تبقى من ماء وجهه عند أقاربه من العائلة.

ينفعل كثيرًا حينما لا يصدقه طبيبه النفسي، فالقصص التي يسردها عن آلة السفر عبر الزمن

أو فك طلاسم التعويذة لم تقنع الطبيب بواقعيتها أبدًا.

يقول: «لقد كانت رحلة التعويذة مليئة بالمغامرات، فحاولت أن أجمع أجزاء القرص الذهبي الذي يمثل مفتاح الآلة».

الطبيب: يبدو أنك عُدت لنوبة الهذيان مجددًا.

أمسك ورقة وقلمًا من على مكتب الطبيب، ثم كتب: جلس ليقرأ الجريدة ويدخن سيجار كوهيبا،

يضحك بصوتٍ عالٍ يسأل الشعراء: لماذا تجلسون أسفل المنضدة؟!

متى يموت خوفكم من القيل والقال؟

ها أنا أمامكم أدخن في العلن وبجوارنا صديقكم الروائي غريب الأطوار الذي يرتدي ثيابًا متداخلة الألوان

ويضحك كثيرًا بلا سبب ويقرأ دائمًا كتاب «هكذا تكلم زراديشت» يشرب الشاي ويدخن المعسل أمام الجميع

كل عام في شهر رمضان؛ فلما أراكم دائمًا بالأسفل؟

نهض الشاعر الشيوعي منسي المعروف بقصائده الجريئة وجلس بجوار الشيخ نيتشة.

قال: أنت لا تعلم سبب جلوسي بالأسفل، فأنا مختلف تمامًا عنهم، لا أعرف هل سبق لك ومررت بمحاولة

تغيير الواقع الظلامي وفشلت؟

إذا كانت الإجابة نعم بالطبع ستعرف لماذا أجلس دائمًا أسفل المنضدة.

سرحتُ قليلًا في ذكرياتي مع صديقي الزرقاوي، تذكرت حينما قال لي: لتذهب معي نذكر اللّٰه في حلقة الذكر لعله يغفر لك.

ذهبتُ معه ليس لأني درويش أو صوفي مثلًا لكن من باب الضحك والفرفشة.

قليلًا لأعلى أطوح رأسي يمينًا أرى الزرقاوي يذكر اللّٰه، يسارًا أرى رجلًا كبير السن يرتدي ملابسًا بيضاء،

طوحت رأسي أكثر فأكثر لاحظتُ تصرفًا غريبًا من الرجل كبير السن؛

حيث اقترب من الزرقاوي ورمى له خاتمًا كبيرًا ذهبي اللون،

انحنى الزرقاوي ليمسك الخاتم المكتوب عليه (ع. د) أي عفريت الدولارات،

فرك الخاتم فأتاه الخادم؛ فُزِعْتُ من المشهد وظننت أنها هلاوس بسبب إطاحة الرأس فتوقفت.

طلب منه العفريت أن يقرأ التعويذة بعد أن أعطاه أموالًا كثيرة.

قرأ: الأمل أمامك يناديك أسفل (ﮬ. خ) يوجد الجزء الأعظم من العرش في مكان منحدر ناحية الشمال هو (أ. ك).

العفريت: فقط اتبعني لتصبح ملكًا، التعويذة تأمرك بالتوجه أسفل هرم خوفو الموجود على أرض كيميت.

سار معه في الزحام بعيدًا، مشيتُ خلفهما لأجد للعفريت ساق إنسان وظهرًا يشبه ظهر الشقيق الأكبر للزرقاوي.

تذكرتُ حينما حكى لي صديقي عن صراعه مع أخيه الأكبر _الذي يدعى إنكي_ على الحكم من بعد أبيه الملك.

جريتُ مسرعًا خلفهما حتى وصلا إلى أسفل الهرم.

جرى العفريت بعيدًا بعد أن قتل الزرقاوي و سرق من جيبه خاتمًا مكتوبًا عليه (ع. خ. ع).

قرأها الطبيب ثم قال: ما سر تلك التعويذة؟

وقف ليضع يده على رأسه، صرخ قائلًا: انتفض جسمي بسبع هزات..

أنا الآن أسبح في محيط بارد جدًا، جسدي يشبه سمكة صغيرة، صعدت على سطح الماء لأجد سماء رمادية ممطرة.

ما هذه الأجواء المُرعبة؟ ماذا يحدث حولي؟

أصوات مخيفة تكاد تخترق جسدي وكأنها أتت من الفضاء الخارجي.

لا أشعر بعمودي الفقري.. يخرج من جسدي من يزحف على اليابس ومن يحلق بالسماء وآخر يمشي على أربع..

ثم يرتقي جسدي ليشبه البشر تمامًا، نظرتُ على يدي اليمنى لأراها تتحول إلى يد بشرية بشكل طبيعي.

إنها الغابة الاستوائية التي احتضنتني طويلًا بين حزن وفرح، استقرار وحروب مع أعداء.

يوم مشمس حمسني أن أجري في الغابة مرحًا، وقعتُ متعثرًا بحجر، أنظرُ خلفي لأجد ثلاثة مجلدات عتيقة باهتة الأحبار.

يشرح المجلد الأول كيفية هبوط الفضائيين على كوكب الأرض، بينما يتحدث المجلد الثاني عن آلية تهجين جينات البشر مع جينات الفضائيين والتي تسببت في تطور الجنس البشري، ثم يذكر المجلد الثالث مجموعة أساطير وتعاليم للبشر يجب عليهم اتباعها للفوز برضى الآلهة.

تركتُ المجلد على الأرض وأخذتُ أفكر في الحقيقة التي رأيتها بيدي والزيف المسطور في المجلد الثاني.

الطبيب: أتقصد أن التعويذة التي قتلت صديقك كتبت في أساطير قديمة؟ لكن لماذا؟

_أعتذر لك، يجب أن أذهب للنوم؛ فقد أرهقتني الجلسة كثيرًا.

بعد أن أغلقت مسجل الصوت جلست أفكر فيما يقوله هذا الرجل من هذيان وهو نائم «سترى الحقيقة بيديك،

وتقرأ الزيف بعينك».

رسمتُ على الورقة ثلاث دوائر، كتبت بالأولى أساطير قديمة وبالثانية تعويذة قتل الزرقاوي وتركت الدائرة الثالثة فارغة،

ثم أخذتُ أفكر: هل قتل الزرقاوي لمحاولته كشف حقيقة خاتم (ع. خ. ع) أم أن الشيخ نيتشة كبر ويخرف؟

…..

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.