لقد اغتصبنا شرف الحب بقلم د. رحاب أبو العزم
كلمات الحب يسيرة وآماراته الفعلية صعبة قال تعالى في كتابه الكريم: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)).
كلمات الحب
يذكر الإمام القرطبي -رحمه الله- في تفسير الآية قول ابن عباس رضي الله عنه حيث قال عن المودة هي: حب الرجل لامرأته، والرحمة هي: رحمته إياها أن يصيبها بسوء. إن للحب علامات وآمارات لا يتفاعل معها ولا يُظهرها إلا أصحاب القلوب النابضة بالمودة والتراحم لترتمي بين أحضان محبيها راجية السكن، والطمأنينة، والهدوء، والاستقرار العاطفي النفسي.
إن لكلام الحب سحر عجيب يهدئ من غضب القلب، وجنون العقل، وارتعاش الجسد، ويضمد الجراح، ويضيء العين بلمعة وضاءة تبتهج بها الحياة بيد أن المحبين الصادقين قليل ماهم؛ فالكلمات يسيرة والفعل صعب، والألسنة الرنانة كثيرة ومواقف المروءة قليلة، ومجاملات المحبين متنوعة وصدق الأفعال ليس لها إلا طريق واحد ووجه واحد؛ ومن ثَم فتعظيم الحب بالأفعال التي تظهر وتؤكد صدق المشاعر لا نجدها إلا من القليل لماذا؟ لأننا ابتعدنا عن نهج الصحب الكرام رضوان ربي عليهم أجمعين، وخدعنا أنفسنا قبل خداعنا للآخرين فاغتصبنا شرف الحب.
مشاهد من حياة الصحب الكرام مع زوجاتهم
هو معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي وصفه رسولنا ﷺ بأنه أعلم الأمة بالحلال والحرام؛ فيروي الإمام ابن أبي الدنيا بأنه: “كان لمعاذٍ امرأتان، إذا كان يومُ هذه لم يتوضأ عند تلك”.
من أدق صور العدل بين الزوجتين، وترتفع قيمة ودقة العدل والمروءة لتصل إلى صدق المشاعر وسمو الحب الذي ترجمه بالفعل وليس بالقول فحسب؛ فلقد أصاب الزوجتين الطاعون وماتتا في يوم واحد؛ فاقترع بينهما أيهما يدخل الحفرة قبل الأخرى، ثم حفر ودفنهما في حفرة واحدة.
إنه الرجل الزوج الصادق الذي فهم حق زوجته حتى بعد مماتها فهو يتعامل مع العدل الحق سبحانه وليس مع البشر، وهو الزوج المسلم الذي نفرت نفسه الظلم وكرهته، والذي طوع نفسه لمراقبة الله تعالى.
ويسمع الصحابي الجليل العرباض بن سارية رضي الله عنه رسول الله ﷺ يقول: ” مَنْ سقى امرأتَهُ الماءَ أُجِرَ”؛ فيسارع ليسقي زوجته الماء ويخبر رسول الله بذلك بكل عزة وفخر إذ أنه حظي الأجر من مولاه عز وجل، ولا يجد في صدره غضاضة ولا حرج أن يفصح لنبي الأمة وللصحابة أنه سقي امرأته الماء.
أزواج القرن الواحد والعشرين
لقد تربى الصحابة رضي الله عنهم في مدرسة النبوة الشريفة؛ وما أحوج بيوت المسلمين لمثل هذه المدرسة وتعاليمها وسننها الشريفة لننأى بأنفسنا وبذريتنا عن أعراف وعادات ومفاهيم وأفكار بالية دفعت الغالب من بيوت المسلمين إلى الانهيار والفرقة والخصومة؛ فزوج يضرب زوجته، وتارة زوج يطرد زوجته، وزوج يغتال زوجته معنويًا وكثير من يتمثل في النوع الثالث؛ وهو أشد درجات الإيذاء فبالاغتيال المعنوي تضطرب الزوجة بين الفرحة والحزن، وبين البهجة والألم حتى تفقد الثقة في زوج طالت كلمات حبه عنان السماء، وحينما يسأل عن الفعل لا نجد إلا اغتصابًا فعليًا لقيمة وشرف الحب، ليصنع لنا زوجة مغتصبة عاطفيًا وإنسانيًا، وأمًا بلا هوية تنتج لنا ذرية تعج بها عيادات الطب النفسي.