هل الصحابة تركوا الأصنام عندما فتحوا مصر
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله صلي الله عليه وسلم
ابتداءَ أقول : إن داعش لا يعرفون عن الإسلام شيء بل هم خوارج ضلال والإسلام برئ منهم ومن أفعالهم هم لا يمثلون الإسلام وأهله , وهناك ردود لعلماء السنة عليهم وليس مجاله الآن ، ولكن نتناول اليوم مسألة تكسير الأصنام والآثار ، وأيضا لابد أن ننبه علي أمر وهو أنه لا يجوز لأحد أن يزيل منكر بهذه الطريقة بل إن هذه الأمور لمن ولاهم الله الأمر فإن قصروا فعليهم وندعوا الله لهم بالصلاح والعافية
والجواب على هذه الشبهة أن نقول :
اعلم أن التماثيل والتصاوير التي كانت في الجاهلية وأدركها المسلمون أثناء الفتوحات الإسلامية قد هدموها وأتلفوها قطعاً ، ولايشك في ذلك مسلم يعرف الصحابة وقدرهم وما هم عليه من التوحيد ومنابذة الشرك وأهله ، ودليلنا في ذلك أنهم على خطا المصطفى في كل شيء ، وقد بعثهم في حياته لهدم الأوثان ومحقها ، فلابد أن يفعلوا ذلك كما نشروا التوحيد ، فنقطع أنهم أتلفوا آلاف الأصنام والمعبودات والآلهة في البلدان التي افتتحوها ، بل كانوا يتلفون الكتب كما قال ابن خلدون في (مقدمته) ص480 ولما فتحت أرض فارس ووجدوا فيها كتباً كثيرة كتب سعد أبن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين ، فكتب إليه عمر : أن اطرحوها في الماء ؛ فإن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه ، وإن يكن ضلالاً فقد كفانا الله ، فطرحوها في الماء أو في النار وذهبت علوم الفرس فيها عن أن تصل إلينا )اهـ.
فإذا كان هذا عملهم في كتب أولئك فما بالك بأصنامهم ومعبوداتهم؟!!!.
واعلم أن هؤلاء الجهلة من علماء الضلالة جعلوا أمثال أصنام ( بوذا ) من التراث الإنساني الذي يجب المحافظة عليه ، وكذبوا – أخزاهم الله – ،فإن أصنام ( بوذا ) بالنسبة للأفغان ، وأصنام ومعبودات الفراعنة بالنسبة للمصريين ، هي تماماً كـ( العزى ) و ( اللات ) و ( مناة ) بالنسبة للعرب ، فهذه معبودات العرب في الجاهلية قد هدمها المسلمون ، وتلك معبودات أولئك في جاهليتهم فيجب هدمها ، أفتراهم يتباكون على هدم ( العزى ) و ( اللات ) أيضاً؟!!
وأما ما تركه المسلمون من الأصنام والتماثيل والمعبودات في البلدان التي فتحوها فإنها على ثلاثة أقسام :
القسم الأول :
ما كان من هذه التماثيل داخلاً في كنائسهم ومعابدهم التي صولحوا عليها ، فتترك بشرط عدم إظهارها ، ففي الشروط العمرية المعروفة على أهل الذمة ( وألا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا ، ولا نظهرعليها صليباً…وألا نخرج صليباً ولاكتاباً في أسواق المسلمين )؛ قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في شرح قوله ( ولا نظهرعليها صليباً ) ( أحكام أهل الذمة) 2/719 :
(لما كان الصليب من شعائرالكفر الظاهرة كانوا ممنوعين من إظهاره ، قال أحمد بن حنبل في رواية : ولايرفعوا صليباً ، ولايظهروا خنزيراً ، ولا يرفعوا ناراً ، ولايظهروا خمراً ، وعلى الإمام منعهم من ذلك ) ،وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن عمرو بن ميمون بن مهران قال : كتب عمر بن عبد العزيز ( أن يمنع النصارى في الشام أن يضربوا ناقوساً ، ولا يرفعوا صليبهم فوق كنائسهم ، فإن قدر على من فعل من ذلك شيئاً بعد التقدم إليه فإن سلبه لمن وجده )، وإظهار الصليب بمنزلة إظهار الأصنام ؛ فإنه معبود النصارى كما أن الأصنام معبود أربابها ومن أجل هذا يسمون عباد الصليب ، ولايمكنون من التصليب على أبواب كنائسهم وظواهر حيطانها ولايتعرض لهم إذا نقشوا ذلك داخلها ).
القسم الثاني :
أن تكون التماثيل من القوة والإحكام بحيث يعجزون عن هدمها وإزالتها ، مثل تلك التماثيل الهائلة المنحوتة في الجبال والصخور بحيث لا يستطيعون إزالتها أو تغييرها ، وقد ذكر ابن خلدون في ( المقدمة ) ( ص 383 ) أن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة ، بل تتم في أزمنة متعاقبة ، حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان ، قال : ( لذلك نجد آثاراً كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها ، مع أن الهدم أيسر من البناء )؛ ثم مثل على ذلك بمثالين :
الأول : أن الرشيد عزم على هدم ( إيوان كسرى ) فشرع في ذلك وجمع الأيدي واتخذ الفؤوس وحماه بالنار وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.
الثاني : أن المأمون أراد أن يهدم ( الأهرام ) في ( مصر ) فجمع الفيلة ولم يقدر.
القسم الثالث :
أن تكون التماثيل مطمورة تحت الأرض أو مغمورة بالرمال ولم تظهر إلا بعد انتهاء زمن الفتوحات ، وهذا مثل كثير من آثار الفراعنة في ( مصر ) ، فمعبد ( أبوسمبل ) مثلاً في (مصر) – وهو من أكبر معابد الفراعنة –كان مغموراً بالرمال مع تماثيله وأصنامه إلى ما قبل قرن ونصف القرن تقريباً ، وأكثر الأصنام الموجودة في المتاحف المصرية في هذا الوقت لم تكتشف إلا قريباً ، وقد ذكرالمقريزي ( ت845 ) في ( الخطط ) 1/122 أن أبا الهول مغمور تحت الرمال – في وقته – لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط دون الباقي – بخلافه اليوم – ، وسئل الزركلي -(شبه جزيرة العرب) 4/1188 – عن الأهرام وأبي الهول ونحوها : هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟! فقال : كان أكثرها مغموراً بالرمال ولا سيما أبو الهول .
لهذا فلا يصح مطلقاً نسبة ترك هذه التماثيل إلى خيرالقرون رضي الله عنهم وأرضاهم ، فإنهم من أحرص الناس على إقامة التوحيد وشعائره ، وإزالة الشرك ومظاهره .