“الجوع العاطفي اقسي من جوع البُطُون!”

“الجوع العاطفي اقسي من جوع البُطُون!”

بقلم/ أخصائيه نفسيه نيفين منصور 

كان هناك طفلاً يعيش مع ابيه البخيل، بخيل في كل شئ؛ عاطفيًا اكثر من مادياً.. ويومياً الإبن يطلب الطعام والأب مره يعطيه ومرات يتجاهل جوعه، وظل الطفل سنوات يُعبر عن جوعه وإحتياجه، مرة بالبكاء ومرة باللين ومرة يلمح للأب انه لا يهتم لإحتياجاته، فيستجيب الأب فتره ويعود لسابق عهده، لأن الأب لم يقدر قسوة إحتياج إبنه له!

استمر الحال كما هو لسنوات ومع الوقت بدأت مشاعر الإبن تتغير تجاه والده، تحول الحب بقلبه لغيظ يبكى من قسوة الحرمان ومن قسوة تجاهل الاب له ولإحتياجاته ويسأل نفسه..

 لماذا لم يشعر بى؟!

 لماذا يتركنى محروم؟!

يبكى الطفل كلما رأى غيره يأكل وكلما رأى طفلٌ آخر ابيه يتودد له ليتناول طعامه ويذهب ليحكى لأبيه انه رأى أب يتودد لأبنه ليأكل حتى يفهم او يشعر بإحتياجه الملح له، وكان يحلم يومياً بما يتمناه ويقوم من نومه باكياً ويحكى لوالده لكن الأب يتجاهل شكواه!

كان الطفل يحكى لصديقه المقرب ما يؤلمه وصديقه يعطف عليه بجزء من طعامه ولكن الصديق كان خبيثاً؛ فكان يخطط كيف يسحبه لطريق(المثليه) من خلال إحتياجاته، وبالفعل الطفل فى البداية كان يرفض لتمسكه بالله ومع ضعفه الشديد وزيادة شعوره بالحرمان استجاب كى يحصل علي الإهتمام وعلى الطعام!!

لما علم الأب اخذ يوبخ إبنه وثار عليه فصرخ الإبن وقال له…

فات الوقت ولم تشعر بى ولم تحنو على رغم صراخى وآلم احتياجى لك .. فلا تلومنى الآ؛ بل لوم قسوتك، لم أعد احتاجك!

 فبكى الأب وقال له ..

تعالى معى وسوف أحقق لك ما تريد فرد الأبن وقال: 

 فات الآوان لم أعد احتاج منك شئ، قلبي أُغلق تمامًا تجاهك وفرصك معي قد انتهت.

فبكى الأب وقال له..

ماحدث كان خارجاً عن إرادتي، ظروفي وإمكانياتي حين كنت صغيراً لم تسمح!

 فرد الابن وقال..

 كان من الممكن أن تفعل الكثير من اجلي ان اردت لكي اصبر علي ظروفك، لكنك تجاهلت إحتياجى تماماً لسنوات عديدة؛ جعلتنى يتيم في وجودك، اشتهى طعام اهل الشر وصُحبتهم، فأنت سبب سقوطى ووجودى هنا الآن.

 حاول الأب احتضان ابنه لكن الأبن رفض بشدة.. وقال له حضنك شوك ولمستك تذكرنى بأيامى المرة التى تركتنى فيها أنام باكياً من قسوة احتياجى وجوعي وحتى دموعى التى رأيتها كثيراً لم تلين قسوة قلبك علي، فكنت ضامن صمتى وقبولى ولم تضع فى حسابك ان كل مرة انام بوجعى كنت افكر كيف اتركك، فلم ترى غير ذاتك.. وها انا تركتك لذاتك لتجلس معها وتعوضك عنى فلن اشتاق إليك لأن قلبى رافض حتى صورتك، فأنت علمتنى كيف اكرهك بكل رضا وضمير مرتاح ..لأنك جعلتنى اكرة ذاتى واشك ان العيب عندى، جعلتنى أشعر بعدم الاستحقاق، وجعلتنى اقارن حياتى بحياة غيرى واتمنى ان اعيش حياتهم، فقد كسرتنى وشوهتنى، كسرت قلبى! 

احياناً يحدث أن نحرم أقرب الناس إلينا من إحتياجاتهم الأساسية..(الحب والآمان والطعام) ونقسو وبشدة ونختلق أعذار لعدم تلبية إحتياجاتهم، يعطونا فرص كثيرة الواحد تلو الآخر، ونحن نعيش ضامنين انهم لن يتركونا مهما بدر منا ونظن أننا  مسيطرين عليهم تحت ضغط حاجتهم لنا او موقعنا من حياتهم، لكن فى الحقيقة مع الضغط الشديد للإحتياج ومع القوة الجبارة للقسوه، يستجيب المحتاج لمن يحنو عليه وإن اهلكه!

 الغريب اننا لم نضع فى حساباتنا أن الضغط يولد الانفجار وأن الحرمان يولد الكراهيه وأن القسوة تجعل الطيب يتحول لإنسان شرير يخطط كيف يهرب من جحيم حرمانه، ونستيقظ بعد فوات الأوان!

رسالة لكل اب، زوج، ام، خال، عم، اخ، اخت، راعى أقرب الناس إليك، أشعر بإحتياجاتهم، ضع نفسك مكانهم، اشعر بهم.. فلا تجعل الطلب يُطلب منك مرتين، لا تجعلهم يستجدون حقوقهم، اهتم.. لأن اذا مر وقت طويل على (الجوع) بكل اشكاله ومعانيه وحتى إذا لبيته فيما بعد سيكون مرفوضاً، لفوات الوقت وإنغلاق القلب! 

الاحتياج الذي يُلبي بالذل مع الوقت يتم رفضه مهما كانت شدة الإحتياج له، لأن طعمه يصبح بمرار العلقم، غير الإحتياج الذي يُلبي بالرضا والمحبه والإحسان؛ يجعل الإنسان مستقر نفسياً وعاطفياً مستكفي بكل شئ، سعيد منطلق.  

اتمنى تكون رسالتى وصلت، فكثير من البيوت مُغلقه على قصص (الجوع) العاطفى الشديد، وللأسف لا نعي لذلك إلا بعد وقوع المصيبه وفوات الآوان ونعود للوم الضحيه ونغفل عن الجانى!!

نيفين منصور

اخصائى نفسي

اخصائى ارشاد نفسي واسرى

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.