تعليق الدعم الأميركي لأوكرانيا.. تحول استراتيجي أم تمهيد لصفقة كبرى مع روسيا؟
واشنطن تتخلى عن أوكرانيا وتهز موازين الحرب مع روسيا!
أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق الدعم الاستخباراتي والعسكري لأوكرانيا، مما أثار موجة من الجدل حول مستقبل العلاقة بين واشنطن و كييف، والتداعيات المحتملة لهذا القرار على موازين القوى في الصراع الأوكراني-الروسي.
بقلم: ريهام طارق
جاء هذا القرار بعد لقاء متوتر بين ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يعكس إعادة تموضع استراتيجي من قبل الإدارة الأميركية، التي باتت أكثر حذراً في دعمها لـ كييف، خاصة في ظل استمرار الحرب وتراجع فرص تحقيق تسوية سياسية مستدامة.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: ترمب يخطط لتهجير الفلسطينيين.. صفقة القرن أم نكبة جديدة؟
تحول استراتيجي في الموقف الأميركي:
تعليق الدعم الاستخباراتي والعسكري الأميركي يطرح تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بدعم أوكرانيا في صراعها مع روسيا تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف، التي أشار فيها إلى “أسئلة جدية” لدى ترامب بشأن التزام زيلينسكي بعملية السلام، تعكس تغيراً في الأولويات الأميركية. فقد بدأت إدارة ترامب في إعادة تقييم علاقتها مع كييف، واضعة في الاعتبار التكلفة السياسية والاستراتيجية لاستمرار الدعم غير المشروط.
اقرأ أيضاً: نتنياهو: إسرائيل تمتلك القدرة على استئناف العمليات العسكرية إذا لزم الأمر
إيقاف الدعم الاستخباراتي تحديداً قد يشكل ضربة قاسية للجيش الأوكراني، الذي يعتمد بشكل كبير على المعلومات الأميركية لتنفيذ عمليات دقيقة ضد القوات الروسية فبدون هذه المعلومات، ستجد أوكرانيا نفسها أمام تحدي كبير في إدارة عملياتها العسكرية، مما قد يمنح موسكو ميزة إضافية في ساحة المعركة.
في الوقت ذاته، فإن قرار واشنطن منع الحلفاء من مشاركة البيانات الاستخباراتية مع كييف يعزز العزلة الاستخباراتية لأوكرانيا، ويضعها في موقف أكثر ضعفاً أمام التقدم الروسي.
اقرأ أيضاً: موسكو: الملف النووي الإيراني يجب أن يحل بالوسائل السلمية فقط
زيلينسكي لاستعادة الدعم: مستعدين للعمل تحت “قيادة ترامب القوية” لتحقيق السلام.
إدراكاً لحجم الأزمة، سارع زيلينسكي إلى تعديل موقفه السياسي في محاولة لاحتواء تداعيات القرار الأميركي، و منشوره على منصة “إكس”، الذي أكد فيه استعداده للعمل تحت “قيادة ترامب القوية” لتحقيق السلام، يشير إلى محاولته إعادة بناء جسور التواصل مع واشنطن، كما أبدى زيلينسكي استعداده لعقد صفقات اقتصادية مربحة مع الولايات المتحدة، بما في ذلك التعاون في مجال المعادن النادرة، وهو ما يعكس رغبته في استغلال المصالح الاقتصادية لإعادة جذب الاهتمام الأميركي.
يبدو أن ترامب قد نجح في ممارسة ضغوط فعالة على أوكرانيا، حيث أجبر زيلينسكي على تغيير خطابه السياسي سريعًا وإبداء مرونة أكبر تجاه المطالب الأميركية إعلانه عن استعداده للعمل تحت “قيادة ترامب القوية” ليس مجرد تصريح دبلوماسي، بل يعكس محاولة حقيقية لاسترضاء الإدارة الأميركية بعد قرار تعليق الدعم كما أن التلويح بصفقات اقتصادية، مثل التعاون في المعادن النادرة، يؤكد أن كييف باتت تبحث عن أي وسيلة لإعادة واشنطن إلى صفها، وهو مؤشر على أن استراتيجية الضغط التي تبناها ترامب بدأت تؤتي ثمارها، لكن السؤال الأهم: هل ستكتفي إدارة ترامب بهذه التنازلات، أم أن هناك شروطًا أكبر تلوح في الأفق؟
لكن رغم هذه التحركات، لا تزال الشكوك قائمة حول إمكانية استعادة الدعم الأميركي بنفس القوة السابقة فقرار التعليق لم يكن مجرد خطوة تكتيكية، بل قد يكون جزءاً من استراتيجية أميركية جديدة لإعادة صياغة العلاقة مع أوكرانيا وفقاً لأولويات ترامب السياسية، التي قد تشمل تسريع المفاوضات مع روسيا والتوصل إلى حل وسط يُجنب الولايات المتحدة الاستنزاف المالي والسياسي المستمر في هذا الصراع.
ردود الفعل الأوروبية ومخاوف الحلفاء :
على الجانب الأوروبي، أثار القرار الأميركي قلقاً واسعاً، حيث أكدت دول مثل ألمانيا وفرنسا أهمية الدور الأميركي في أي مفاوضات مستقبلية مع روسيا، المستشار الألماني أولاف شولتس شدد، خلال اتصال هاتفي مع زيلينسكي، على ضرورة استئناف الحوار الدبلوماسي، في إشارة إلى مخاوف أوروبا من أن يؤدي التراجع الأميركي إلى تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا.
في المقابل، تحاول دول أوروبية مثل فرنسا وبريطانيا إيجاد بدائل لتعويض غياب الدعم الأميركي، حيث اقترحت باريس هدنة جزئية لمدة شهر كخطوة نحو استئناف المسار الدبلوماسي هذا التحرك يعكس إدراك الأوروبيين لحقيقة أن السياسة الأميركية تجاه أوكرانيا قد تشهد تحولاً جذرياً، وهو ما يستدعي البحث عن مقاربات جديدة للحفاظ على توازن القوى في الصراع.
هل هناك تفاهمات غير معلنة بين واشنطن وموسكو؟
ما يزيد من تعقيد المشهد هو التصريحات الأخيرة لترامب، التي لمح فيها إلى تلقيه “إشارة جيدة” من موسكو بشأن المفاوضات. هذه الإشارة، التي جاءت بالتزامن مع تعليق الدعم الأميركي لـ كييف، تثير تساؤلات حول ما إذا كان هناك تفاهمات غير معلنة بين واشنطن و الكرملين حول مستقبل الصراع الأوكراني.
قد يكون ترامب، الذي طالما أبدى ميولاً نحو التفاوض مع بوتين، يسعى إلى إعادة رسم خريطة النفوذ في شرق أوروبا بطريقة تخدم مصالحه السياسية، سواء عبر دفع أوكرانيا إلى تقديم تنازلات أو عبر تقليص الدور الأميركي في الحرب بشكل تدريجي هذا التوجه يثير مخاوف العواصم الأوروبية، التي ترى في أي انسحاب أميركي فرصة لتعزيز النفوذ الروسي وتقويض الجهود الغربية لدعم أوكرانيا.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: مؤامرة التهجير تنكشف.. ومصر والأردن يعلنان المواجهة!
مستقبل أوكرانيا في ظل التحولات الأميركية: هل اقتربت لحظة الانتصار الروسي؟
مع تعليق الدعم الاستخباراتي والعسكري، تواجه أوكرانيا معضلة استراتيجية معقدة، إذ تسعى جاهدة للحفاظ على دعم واشنطن، لكنها تدرك أن إدارة ترامب قد تتبنى نهجا أقل التزاما بالحرب مقارنة بـ الإدارات السابقة.
قد يجد زيلينسكي نفسه مضطرا لإعادة صياغة استراتيجيته، سواء من خلال تكثيف جهوده لاستقطاب دعم أوروبي يعوض التراجع الأميركي، أو عبر التوجه نحو مفاوضات مباشرة مع موسكو بشروط أكثر مرونة.
على المدى القريب، قد يؤدي تجميد المساعدات الأميركية إلى إضعاف موقف أوكرانيا ميدانيًا، مما قد يسرّع المسار الدبلوماسي، لكنه قد يأتي بثمن تنازلات تصب في مصلحة روسيا. ومع ذلك، يبقى التساؤل الأبرز: هل ستعيد واشنطن النظر في قرارها إذا وجدت أن انسحابها من الصراع قد يهدد مصالحها الاستراتيجية؟
هل حان وقت استسلام كييف؟
الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان قرار ترامب بتعليق الدعم الاستخباراتي مجرد ورقة ضغط تكتيكية أم خطوة محسوبة ضمن استراتيجية أوسع لإعادة ترتيب أولويات واشنطن على الساحة الدولية. وفي كلتا الحالتين، يشكل هذا القرار نقطة تحول حاسمة قد تعيد رسم ملامح الصراع بين أوكرانيا وروسيا، كما أنه قد يترك تداعيات أعمق على طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، الذين باتوا يدركون أن السياسة الأميركية تجاه الحرب قد تدخل مرحلة جديدة غير متوقعة.