الذكرى المستمرة للنكبة .. حين تستمر المقاومة وتكسر المستعمر بصمودك الكبير

الذكرى المستمرة للنكبة .. حين تستمر المقاومة وتكسر المستعمر بصمودك الكبير

 

 

 الذكرى المستمرة للنكبة .. ٧٧ عام و المقاومة مستمرة وتنجح في أن تكسر المستعمر بصمودك الكبير وإصرارك علي إهانة غطرسته وكبرياء.

 

كتب / مصطفى نصار

بقدر المشهد الكئيب والقاتم في غزة،  تظل المقاومة تكتب شروطها بأحرف من نور سواء على المستوى العسكري أو التفاوضي الرافض للتهاون ، أو التنازل المهين عن أي بند من بنود الصك الاتفاقي الخاص بالمقاومة ، مشتملًا على وقف دائم لإطلاق النار،  و إطلاق كافة الأسرى من السجون مع تولي إعادة الإعمار للعرب ، و مع الضغط المستمر عليها وافقت على تنازلها عن حكم القطاع لسلطة فلسطينية وطنية بعد انتخاب الشعب لها بلا شك .

فهذا المشهد الصامد ، وسط صمت مخزي و رفض الاحتلال الإسرائيلي، مع مشهد محاولة الاحتواء الأمريكي للمفاوضات بغرض تحقيق وقف شامل لإطلاق النار بين الطرفين نتيجة تاريخية مباشرة ، لا تنم إلا عن تعلم و حنكة تاريخية من الدروس و المراحل السابقة ، و لعل أهم تلك المرحلة النكبة الفلسطينية التي تعد لوحدها مدرسة أصيلة و فريدة في التاريخ الحديث الذي لا يخل من تضحيات مباركة، و كذلك خذلانات متكررة بدأتها عصابات الهاجاناه و الإرجون منذ عام ١٩٢٠ حتى ١٥ مايو ١٩٤٨ ، ممارسين فيها أنواعًا مختلفة من القتل الوحشي و التطهير العرقي، مع التهجير القسري الذي بدأ من يافا لغزة .
الذكرى المستمرة للنكبة
كتاب حرب العصابات

 

لتشكل النكبة أيضًا انعكاسًا صادقًا لمحاولة استئصال همجي على مدار ٧٧ عامًا ، توازيًا مع درس تاريخي نافذ و هي المقولة الحية لتشي جيفارا في كتابه حرب العصابات، لتمثل وحدها شعارًا صادقًا متفردًا بحق منطويًا على استمرارية المقاومة في وجود الاحتلال ، سواء كان انجليزيًا أو صهيونيًا ، و المقاومة هي حل أيضًا للبربرية الإسرائيلية أو كما يقول عبد الوهاب المسيري المقاومة والمزيد من المقاومة ، ولإن التفاهمات السياسية و الحل السلمي لن يؤدي إلا لمزيد من الانبطاح و الخضوع للمحتل ، فهشاشة التطبيع المذلة جذرية لإنها لا تمثل تحررًا كاملًا أو جلاءً نهائيًا له .

حرص كلا من الشعب الفلسطيني ، و المقاومة على إفشال كل خطط التهجير على مدار ٢٠ شهر بدءًا من سيناء مرورًا بخطط ترامب المجنونة لتحويل غزة لريفيرا الشرق الأوسط،  مستعنين بصور النكبة الدائمة المحفورة على ثلاثة مراحل قاسية تمكن فيها المحتل من تكوين و صقل الصمود و الصلابة النفسية ، و المعنوية التي قامت على الذاكرة الدموية و الوحشية للكيان ،فضلًا عن محاولاته العديدة التي باءت بالفشل الذريع و الإخفاق ، فالماضي السحيق صورة تعكس و تضج بالمعاني المتجاوزة للغة التي يعرفها هذا المحتل الغاشم ، و تخطوها للتأثير على داعميه بصورة منتظمة و مزلزلة حتى بات شعوبهم أكثر حجة على العرب .
أطلال الهدم والبيوت المحطمة

 

علاوة على ذلك، فإن غزة الصغيرة أثبتت أنها مدينة فاضحة للجميع ، كما في لحظة النكبة الحقيقة ليس فقط في عجزه الشامل على كافة المستويات لتتحول عملياته العسكرية لاستعراضات فاشلة متخطية الأمر لتصل لدرجة التوريط العلني لتحقيق الهدف المستحيل باعتراف أستاذة علوم سياسية عدة منها بارفيلي هارفي ويليامز ، و الصحفي الصهيوني جدعون ليفي لتتخم الجولة في هذه الذكرى المؤلمة بحتمية العودة لأطلال الهدم ، و البيوت المدمرة مع الذكريات بالنزوح حيث الذهاب للامكان تحت مسميات سخيفة منها قيام الدولة اليهودية ، ليتضح في النهاية بشهادة المؤرخين الجدد مثل إيلان بابيه و شالوم ساند و باروخ كيميرليغ و دي اتش شوداهر كتبوها بكل صراحة النكبة تطهير عرقي ممنهج تم من خلاله خلق شرق أوسط مشتعل .

يافا ارتداد واقعي محطته غزة :خطوات تحضير النكبة و تنفيذها

في مقال موسع حول موجز تاريخ النكبة ، يطرح الباحث في العلوم السياسية عابد أبو شحادة إسقاطًا لافتًا يؤكد على للنكبة استراتيجية مخادعة ، و قاتلة بشكل بربري تفيد بأن إن نجحت في مدينة فإنها تسري في بقية المدن لتكمل على الإرث المتبقى بطرق شتى تشمل كل الجوانب القريبة من المجتمع، لتصل لمرادها الأخير ألا و هو ما بدأ لا ينتهى إلا بنجاح السرطان الخبيث من قتل الشعب الفلسطيني بكل وحشية منقطعة النظير.

فاحتوت النكبة بهذا المعنى على كل التفاصيل و المآسي الحقيقة و التي تبرز أبشع مجازر التاريخ الحديث ، فالأمر بدأ عند يافا باقتحام قوات العصابات الهاجناه و الإرجون باقتحام المدن و القرى بعد قتل قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني ، مستغلين ضعف و يأس المدنيين فانطلقوا نحو يافا باعتبارها المحطة الأقرب و الأغنى فدخلوا عليها لينهبوا ، و لم يكتفوا بذلك بالتأكيد إذ أكملوا على بقية المدن فدخلوا عكا و حيفا و بعد عسقلان ، و ليس بوسع الأهالي سوى عدة خيارات محدودة مخيفة كلها إما الاستسلام ، أو القتل الوحشي و أنت مستسلم ، أو الخيار الثالث في القتل و أنت تقاومهم حتى بعصا مقشة .

فلهذا دعم الغرب الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم لإنه فقط يحقق مصالحه الضيقة أو هكذا ظن في هدفه الأساسي ، لكن أثبتت النكبة كذلك أن العالم من يعمل لصالح إسرائيل إما لأسباب دينية أو سياسية محددة أو اقتصادية أو لوجستية ، فكما قال الفيلسوف الأمريكي جون دركر أستاذ علم الاجتماع و الأدب و دراسات الإبادة الجماعية أن هذا الدائرة بالتحديد من العنف الوحشي و الإبادة الجماعية هي التي كونت الفكر الصهيوني ، متفقًا مع السرديات الخارجة من المؤرخين الفلسطينيين الذين يأكدون باستمرار على حتمية حدوث التطهير العرقي في عام ١٩٤٨م.

تميز العنف الشديد بصقل الأفكار الصلبة ، و الهوية الواضحة بعيدًا عن المشاعر الآخرى لما يملكه من أطياف واسعة من المعاناة و الألم الشديد الواصل بين الأفراد فيعلمون معًا حتى يتخلصوا من المحتل ،مثلما حدث مع تجارب أمريكا الجنوبية كافة ، بعبارة أخرى هوية المقاومة تنبع من مشاركة العاطفة الواحدة و الهدف الواحد ، و لعل هذا ما أشار له الدكتور حلمي أبو طه في مقاله عن لهفة القلوب ، فالزواج في الإبادة يتحول من علاقة حب لنجاة مسؤولة تسير بدأب في عمق ظلمة الإبادة لا لشيء فقط لمحاولة إكمال الحياة دون أن يتحول الناس لأرقام فردية .

غير ذلك فإن العصيان على الكسر رغم تخاذل أو تواطؤ القريب أيضًا قبيل حدوث النكبة تعبير قوي عن عدم أولوية القضية لديهم إلا عند إنهائهم التام أو التمثيل الهابط بالاهتمام و حمل القضية دونما غيرهم ، ما يشكل تطابقًا قويًا بين الماضي و الحاضر لكن الماضي لم نعرفه كله لتتطور و تبث الفواجع الخالعة للقلوب لتضع ملامح النكبة الحاضرة ، و هي نكبة الصمت و السكوت الذي ذاقه القسام و الحسيني دون أن يتحرك العرب ساكنًا فاضطر الشعب وحيدًا مع مساعدات بسيطة من مصر و الأردن الذين لهما دور بارز يتعدى دور الشجب و التنديد و أحيانًا الإنكار التام للمذابح لتضع إسرائيل الهمجية حلًا جذريًا للإبادة بالتهجير مثلما وصف المؤرخ الإسرائيلي شلومو زند.

الذاكرة المشاعرية النضالية :نحو محاولة ردع تكرار نكبة جديدة

لعبت الذاكرة أدوارًا حيوية ، و ممهدة للمقاومة في عدة مراحل بالفعل في التاريخ الفلسطيني ، فكانت أولهما هي عاطفة الصدمة الناتجة عن الفظائع ، لتأتي بعدها القهر و الحزن التي تحول لسعي محموم و دأب متواصل ، وصولًا للعاطفة الأخيرة التي وصفها الصحفي الأرجيينتني بيدور بريجر في كتابه مئة سؤال و جواب عن الصراع العربي الإسرائيلي و هي ذاكرة النضال المباشر الآتية نتيجة مواجهة تحديات جسمية لتهجير ٢٨٤ قرية في البداية فضلًا عن مأساة النزوح الضاغطة .

لجأوا للحفاظ على تلك الذاكرة

لوسيلتين حيويتين ، التدوين الكتابي و التأريخ الشفهي حتى يورثوا النكبة بكافة تفاصيلها ، لإن الذاكرة الشفاهية وفقًا لمحرري كتاب التاريخ الشفهي للنكبة الفلسطينية هو الحفاظ و الإبقاء على التشارك المجتمعي و التاريخي الواحد فضلًا عن زرع الوعي التاريخي بجدوى المقاومة و فاعليتها القوية التي أذاقت الاحتلال و داعميه التدميرين من الغرب و أمريكا، و لمزيد من إبقاء الذاكرة نابضة ، حية عن طريق استجابة مجدية ، و نتيجة متممة لنيل التحرر التام باعتباره غاية كاملة “لا حلول سياسية “تفضي لمزيد من القمع و الانبطاح تحت مسميات التعاون للقضاء على الاحتلال الإسرائيلي !!

بالإضافة لما سبق ، يضفى منير شفيق المفكر الكبير بعدًا جوهريًا على عملية التحرر الكامل ، متضمنًا الكثير من العوامل الداخلية الممهدة للتحرر الكامل منها الرؤية الموجهة للمحتل الغاشم ، فتلك عاطفة النضال الكبير التي لا تعرف الخوف أو القلق من الشرطة أو الجيش الإسرائيلي بل إن الفكرة الفريدة القائلة بعمومية المقاومة ، مهما كان سنهم أو طبقتهم الاجتماعية التي تقاوم الاحتلال ، و كذلك النوع الجنسي سواء رجل أو إمرأة لعدم اتصلت دائمًا بالميدان منذ اليوم الأول للنكبة سواء بالمشاركة الفعلية أو الدعم المعنوي التي أثر تاثيرًا كبيرًا على مجريات الواقع و التاريخ ، مع تسطير ملحمي لتاريخ نادر وحده يعبر عن وعي عميق و فهم نادر .

فلحظة التطهير العرقي و التهجير القسري تم ليمحو شعب كامل بتاريخه و إنسانيته ، إلا أنه افتقد للأساس المبني عليه الفلسطينيين ، و هو الإيمان العميق ، و كذلك التأكيد العملي على الكرامة الحقيقة التي لا تفارق بين حياة العزة ، أو موت الشهادة و التي تعد ثنائية النصر أو الاستشهاد معبرة عنها بشكل عام سائر على مختلف مراحل التاريخية ، مصقلة بذلك عبر استراتيجات عسكرية و موجعة حولتها لفتينام جديدة ، من حيث الهيكل الخارجي و الإطار الحاكم المثبت لمقولة البروفسور نورمان فليكاشتين أنهم لا يملكون شيئًا يخسرونه بسبب هندسة حياتهم القاسية في أدق تفاصيلها.

في الختام  لم تنته النكبة إلا بزوال الاحتلال كليًا ، و لهذا يؤكد المؤرخ الفلسطيني عبد الوهاب كيالي أن تاريخ فلسطين الحديث هادى و مستقر ما عدا منذ الأيام الممهدة للنكبة التي رسمت الجغرافيا الجديدة للدولة المصطنعة الذي شهد لها الأصدقاء أنها ليست دولة لإنها لا تمتلك دستور ، أو قانون صلب أو منظم للحياة ، ما يدل على أنها وباء إمبريالي لا شأن لها غير تحقيق توسعها على حساب أراضي أخرى ، و لعل الأراضي السورية التي توسعت فيها بعد إسقاط نظام الأسد خير دليل ، ليتبلور النضال و المقاومة الحالية لمنع حدوثها مجددًا
.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.