الفنان لايصنع الجمال إلا حين يتألم بصدق

الفنان لايصنع الجمال إلا حين يتألم بصدق

الفنان لايصنع الجمال .. فمن رحم الوجع يولد الفن، ومن لحظات الانكسار تنبت أعظم الأعمال.
فالإبداع الحقيقي لا يأتي من ترف ولا رفاهية، بل من جرح يحاول صاحبه أن يرممه بالكلمات، أو بلحن يبحث عن خلاصه بين النغمات.

بقلم : ليليان خليل

كم من شاعر كتب أوجاعه ليشفى، وكم من رسام حول وجعه إلى لوحة تنبض بالحياة، وكم من فنان غنى بكاءه فلامس قلوب الملايين.
الألم يصنع الصدق، والصدق هو جوهر الإبداع. لأن من يتألم يرى الأشياء بعمقٍ مختلف، يتأمل التفاصيل الصغيرة التي لا يلتفت إليها الآخرون، ويعبر عنها بصدق لا يشترى.

الألم يصنع كل ماهو جميل

الرفاهية تنعم الجسد، لكنها تضعف الحس. أما الألم، فهو الذي يوقظ الإنسان من داخله، يجعله يرى ما وراء المظاهر، ويفهم أن الجمال ليس في الكمال، بل في التفاصيل التي تحكي قصة.
الإبداع لا يصنع في المعامل ولا يدرس في الكتب، بل يولد في لحظة انكسار صامتة، حين يقرر صاحبها ألا يستسلم، بل يحول وجعه إلى شيء جميل يضيء طريقه وطريق الآخرين.
الفنان الحقيقي هو الذي يخرج من ألمه أكثر قوة، ويحول عتمته إلى نور.
ولهذا، ستبقى كل لحظة وجع في حياة المبدعين… هي الشرارة الأولى لكل ما يدهشنا ويلهمنا.
فالإبداع الحقيقي لا يعرف الترف، ولا يزدهر في الأمان الزائف .
عبر التاريخ، كانت القصص العظيمة دائمًا مرتبطة بالمعاناة. فالفنان الذي عاش الألم هو الأكثر قدرة على لمس وجدان الناس، لأنه لا يتحدث من خيال، بل من تجربة عاشها بكل تفاصيلها.

الفنان وترتيب الحواس

الألم لا يدمر المبدع، بل يشكله.
إنه يعيد ترتيب حواسه، ويخرجه أكثر صدقا.
فالإبداع لا يزدهر في زمن الراحة، بل في لحظات التناقض بين الحلم والواقع، بين ما نتمناه وما نعيشه.


الألم يحرك فينا أسئلة الوجود، يجعلنا نبحث عن معنى لكل ما يحدث، ويجبرنا على النظر إلى أنفسنا بعمق. لهذا السبب، لا يمكن للإبداع أن يكون سطحياً، لأنه ببساطة ولد من جرح عميق.
في المقابل، الرفاهية تغلق باب التأمل، تجعل الإنسان يعيش في دوائر الأمان المزيفة، فلا يشعر بحاجة إلى التعبير أو المقاومة أو الخلق.
الفنان الذي لم يتألم، ككاتب لم يختبر الصمت، أو مغن لم يعرف الشجن. قد يُنتج أعمالًا جميلة، لكنها تظل باردة بلا روح، لأنها لم تولد من معاناةٍ حقيقية.
أما المبدع الذي خرج من تجربة قاسية، فهو الذي يجعلنا نصدق كل كلمة وكل نغمة وكل لون، لأن فيها نبض إنسان عاش، وتألم، ثم قرر أن يجمل وجعه ليضيء به طريق الآخرين.
الإبداع في جوهره مقاومة، مقاومة للحزن، للظلم، للخذلان، وللواقع الموجع. ومن يبدع، هو من يرفض أن يكون ضحية، فيحول جرحه إلى رسالة. لهذا، كان كل فنان عظيم هو في الأصل إنسان جرح بعمق، لكنه رفض أن يهزم.
وظل يقاوم الالم بفنه وإبداعه.
الألم لا يلغى، لكنه يتحول. يتحول إلى فن، إلى قصة، إلى موسيقى تعزف في ذاكرة الزمن.
يظل الإبداع هو الهدية التي تخرج من قلب موجوع، لكنها تداوي قلوبا كثيرة.
فالرفاهية تنجب التكرار، أما الألم… فهو الذي يُنجب الخلود والوجدان

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.