الفيس بوك يتحول إلى مستشفى نفسي مفتوح
أجلس يوميًا أتصفح مواقع التواصل الإجتماعي، لمعرفة أخبار العالم ومتابعة عملي،
ومرة للتصفح وتهئنة الأصدقاء فقد أصبح الفيس بوك منذ وقت طويل وسيلة مهمة للتواصل بين الناس والأصدقاء.
كتبت: زينب النجار
لكني أجلس كثيرًا أتأمل الشاشة الصغيرة، وأضع يدي على خدي كأنني طبيبة نفسية أشعر بالضجر والغضب
وأستمع إلى ما يقولونه الناس عن بعضهم البعض، فبعضهم مجرد وجوه عابرة وبعضهم أعرفهم..
تعليقات سخيفة
لكني أقرأ يوميًا تعليقات سخيفة لا تليق بنا فنجد من تركت تعليقًا ساخرًا، ومن
ترك تعليقًا متنمر ونجد تعليق أخر للإساءة لبعض الأشخاص لم تربطهم بهم أي صلة،
ونجد من يسب مطرب أو ممثل مشهور وتتحول التعليقات والمنشورات إلى مؤشرات حية
لأمراض نفسية صعبة واجتماعية تفضح الواقع المرير، وتدفعنا للتفكير إلى ما صرنا إليه
داخل هذا الصندوق الأزرق الصغير.
وأسأل نفسي هل أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي مكان لإهانة الأنسان؟
فقد جعلنا مواقع التواصل الإجتماعي مكان للأمراض النفسية التي تحولت إلى تجارة،
وقللت من قيمة الخصوصية وإحترام الذات والأصول والقيم، وأصبحت التفاهة أسلوب حياة الكثيرون،
وأصبح القبح نوعا من الجمال والجهل وقلة الأدب وانعدام الحياء .
مرآة تعكس أمراض المجتمع
فتحول إلي مرآة تعكس أمراض المجتمع بشكل أكثر وضوحًا، فلم تعد علامة الإعجاب دليل عن التعبير والتقدير للمحتوي،
بل أصبحت ألسنت وأيادي المتابعين سكين حاد يجرح المشاعر، وأصبحنا من خلال التعليقات نشاهد عدد كبير
من الأمراض النفسية تكشف عن وجودها وتخرج لسانها هنا وهناك، لتخبرنا إن العالم لم يعد سويا .
فعند جلوسك لتصفح الفيس بوك نجد مئات التعليقات العنصرية، التي تحث على الكراهية، وعلى الطائفية والفتن،
نجد تعليقات من أناس يشمتون في مصائب أناس لا يعرفونهم ، ويتهمونهم بتهم لا وجود لها سوى في خيال مريض يستلذ بإطلاق أحكام على الآخرين وبرؤيتهم يتألمون أو يتعذبون ، و يمكن أن نشاهد التطرف الديني والتطرف الذكوري والتطرف في أبشع صورة ،كل ذلك ممزوجا بكل أنواع الشتائم والمسبّات التي يتبادلها أشخاص لا يعرفون بعضهم البعض ،
كما يمكن أن نجد مئات الصفحات التي تمجد الأغبياء والحمقى وتصنع لهم الشهرة والضوء والغرور،
وفتيات وفتيان يرقصن بابتذال مثير للتقزز والشفقة، وآخرون مستعدون لبيع شرفهم مقابل الترند والحصول على متابعين
بأي شكل ، وبالمقابل نجد صفحات تستغل الدين لجمع اللايكات ولو بوضع أحاديث مغلوطة ،
لطلب لايكات مقابل الدعاء ، وأخرى تستغل الجنس أو السياسة أو الفضائح والإشاعات لجمع التعليقات.
ونجد مدعي الأدب الذين لا يتقنون اللغة العربية وهم ينشرون هذيانات كلامية على أنها إبداع عظيم،
ومجموعة من المنافقين المتحمسين لهم..
ونجد أسماء مستعارة وانتحال شخصيات لجمع التعليقات واللايكات، وكل أنواع الإضطرابات السلوكية النفسية .
فنحن أصبحنا نغرق في تفاصيل وقصص لا تفيدنا ولا تخصنا، وننسي إن كلمة واحدة قد تكون لها عواقب كبيرة،
فالصمت عن أمور لا نعلم عنها شئ هو في النهاية أفضل لنا، لأنه يحفظنا من الوقوع في الذنوب.
وبدلاً من الانشغال بما لا يعنينا، ينبغي أن نركز على ما يقربنا من الله، وندعو للناس بالخير والرحمة،
وإن نتذكر إن حسن الخلق والرد على التعليقات بأدب من أعظم الأشياء،
وإن الرحمة ومكارم الأخلاق من صفة الأنبياء والصالحين
وحين أراد الله تعالى وصف نبيه لم يصف نسبه، ولا علمه أو ماله أو شكله،
لكنه قال: ” وإنك لعلى خلق عظيم “
الأخلاق هي الأساس..