المدن الذكية وسيلة لتمكين المواطن وبناء مجتمع عصري قائم على التكنولوجيا

مصر تطلق الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية.. وخطوة تاريخية نحو الجمهورية الجديدة

كتب باهر رجب

المدن الذكية
المدن الذكية

في خطوة تاريخية تمثل منعطفا حاسما في مسيرة التحول الرقمي، أعلنت الحكومة المصرية رسميا إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية، في حدث حافل جمع أبرز قيادات الدولة وشركاء التنمية الدوليين، مؤذنا ببدء مرحلة جديدة من التخطيط الحضري الذكي الذي يضع المواطن في صدارة أولوياته.

 

رؤية وطنية شاملة

القاهرة – 30 سبتمبر 2025 – تحت قبة جمهورية جديدة تتجه بثبات نحو المستقبل، شهدت القاهرة فعاليات إطلاق الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية في مصر (المرحلة الأولى: المدن الجديدة)، في حدث يعد الأضخم من نوعه في مجال التحول الرقمي والتخطيط الحضري.

بحضور نخبة من الوزراء والمسؤولين وممثلي مؤسسات دولية، أكد الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أن إنشاء المدن الذكية يعد وسيلة لتمكين المواطن من الحصول على خدماته بوسائل رقمية محوكمة وحديثة، اتساقاً مع مستهدفات استراتيجية مصر الرقمية لبناء مجتمع رقمي متكامل.

وأشار طلعت إلى أن الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية تمثل رؤية وطنية شاملة تسعى لبناء مجتمع عصري قائم على التكنولوجيا والمعرفة، تكون فيه جودة حياة المواطنين هي الهدف الأسمى، مؤكدا أهمية تشجيع الشباب من المبتكرين ورواد الأعمال على ابتكار المزيد من الحلول التي تخدم منظومة المدن الذكية في مصر .

 

حضور نوعي وشراكات استراتيجية

شهد المؤتمر حضورا وزاريا ورسميا ودوليا لافتا، حيث شارك فيه المهندس شريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، والدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة، والدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، والمهندس عادل النجار محافظ الجيزة، بالإضافة إلى الدكتور أندرياس باوم سفير سويسرا لدى مصر، وستيفان جيمبيرت المدير الإقليمي للبنك الدولي لدول مصر واليمن وجيبوتي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا .

وتم إعداد الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية بالتعاون بين وزارتي الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والبنك الدولي، وسفارة سويسرا في مصر، مما يؤكد طابعها التكاملي والشراكة الدولية في تنفيذها .

 

بنية تحتية رقمية.. عمود المدن الذكية الفقري

أوضح الدكتور عمرو طلعت أن الاستراتيجية ترتكز على توافر بنية تحتية رقمية متطورة تمثل الأساس والعمود الفقري للمدن الذكية، مشيرا إلى أن مصر شرعت منذ عام 2019 في تنفيذ خطة طموحة لنشر كابلات الألياف الضوئية في كافة أنحاء الدولة .

وتشمل هذه الخطة إحلال شبكات النحاس بشبكات الألياف الضوئية في المدن، وكذلك مد شبكات الألياف الضوئية في القرى ضمن مشروع “حياة كريمة”، حيث تتيح هذه الكابلات نقل البيانات بسرعة فائقة عبر كل مرافق المدينة ونقاطها المختلفة، ومن ثم يمكن إدارة هذه المرافق بشكل ذكي .

ولفت طلعت إلى تقنية الكوابل الهوائية التي لا تستلزم حفرا في الطرق المختلفة، مما يوفر الجهد والمال المبذول في إرساء هذه الشبكات وتركيبها، مؤكدا أن مصر حافظت على المركز الأول في ترتيب متوسط سرعة الإنترنت الثابت في إفريقيا منذ عام 2022 .

 

تقنيات متقدمة.. من الرؤية إلى التطبيق

 

إنترنت الأشياء والجيل الخامس

أكد وزير الاتصالات أن تقنية إنترنت الأشياء تعد أحد عناصر منظومة المدن الذكية، حيث تعتمد هذه التقنية على مجموعة بالغة الضخامة بمئات الآلاف من الحساسات المرتبطة بشكل مركزي، ويمكن التحكم في تلقي بيانات منها وإرسال بيانات لها، ومن ثم التحكم في الأجهزة والمعدات والمرافق التي تديرها تلك الحساسات وتنظم عملها .

وأضاف أن إطلاق الجيل الخامس في مصر يمثل خطوة وثابة في مضمار منظومة المدن الذكية وفاعلية إقامتها والتوسع فيها، حيث تتيح هذه التقنيات قدرة على التحكم في الآلاف من تلك الحساسات وتبادل البيانات معها من خلال إرسال تعليمات وتلقي بيانات ونتائج منها بشكل بالغ السرعة .

 

الذكاء الاصطناعي ومراكز البيانات

وأوضح طلعت دور تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل الكم الهائل من البيانات ومن ثم إدارة هذه المرافق على نحو فعال، مشيراً إلى أهمية مراكز البيانات باعتبارها العقل الجامع لكل تلك العناصر بالمدن الذكية، وكشف أن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات شرعت في وضع العديد من السياسات المحفزة لإقامة مراكز بيانات وطنية .

 

رؤية متكاملة.. بين المدن الجديدة والقائمة

من جانبها، أكدت الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، أن الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية في مصر تمثل نقلة نوعية في مسار التنمية العمرانية المستدامة، مشيرة إلى أن هذه الاستراتيجية جاءت لمواجهة التحديات الملحة الناتجة عن التسارع العمراني، وتعزيز العدالة المكانية، ومواكبة متغيرات المناخ .

ولفتت إلى أن الاستراتيجية لا تقتصر على المدن الجديدة قيد الإنشاء، بل تنطلق من رؤية وطنية شاملة تربط بين المدن القائمة والجديدة في إطار واحد متكامل، موضحة أن التجارب الدولية أثبتت أن نجاح المدن الذكية لا يتحقق بمعزل عن المدن القائمة، وأن ضمان استدامة المستقبل يبدأ بمعالجة تحديات الحاضر .

 

بعد إنساني واجتماعي

في كلمته، أكد المهندس شريف الشربيني، وزير الإسكان، أن ما جرى الإعلان عنه يمثل انطلاقة جديدة في مسيرة الجمهورية الجديدة. موضحاً أن المدن الذكية تمثل خياراً استراتيجياً لتحويل التحديات العمرانية إلى فرص تنموية. وتوفير بيئة حضرية أكثر استدامة وعدالة. وتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية الموارد الطبيعية .

وشدد على أن هذه المدن ليست مجرد بنية تكنولوجية. وإنما مدن إنسانية في جوهرها تستهدف تحسين نوعية حياة المواطنين. من خلال خدمات أكثر جودة، وتنقل أكثر سهولة، وبيئة أكثر صحة وأماناً .

 

توصيات المنتدى الحضري العالمي

أشار الدكتور عمرو طلعت إلى توصيات المنتدى الحضري العالمي. الذي عقد في القاهرة في عام 2024 بشأن المدن الذكية. حيث دعا إلى الاستثمار في البنية التحتية الرقمية، وتعزيز الشراكات الدولية. ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والجيل الخامس في منظومة المدن .

 

إطار تشريعي وتنظيمي داعم

وكشف وزير الاتصالات أنه تم تضمين كل ما يتعلق بالاتصالات والشبكات في كود البناء المصري. وذلك بالتعاون بين وزارتي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية. مشيراً إلى أهمية التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص. في مجال تطوير الحلول التكنولوجية المبتكرة في مجال المدن الذكية .

 

تعزيز المشاركة المجتمعية والاقتصاد المحلي

تسهم المدن الذكية في تعزيز الاقتصاد المحلي من خلال خلق فرص عمل. جديدة في تطوير التكنولوجيا والابتكار في مختلف القطاعات. وتشجيع ريادة الأعمال من خلال توفير منصات ومراكز ابتكار تدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة .

كما تعد المشاركة المجتمعية عنصراً أساسياً في نجاح هذه المدن. حيث تسهم التكنولوجيا في تعزيز التواصل بين الحكومات والمواطنين. مما يتيح للمواطنين المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات .

 

تحديات وطموحات

تواجه المدن الذكية عدة تحديات، من بينها التكلفة العالية. والأمان السيبراني، وقضايا الخصوصية، والتنسيق بين الجهات المختلفة. والمقاومة الثقافية للتغيير، إلا أن الاستراتيجية الوطنية تضع حلولاً مبتكرة لمواجهة هذه التحديات .

 

في الختام

تمثل الاستراتيجية الوطنية للمدن الذكية في مصر ليس فقط مشروعاً عمرانياً. بل هي رؤية لمصر الحديثة: مدن جديدة تدار بالبيانات والابتكار منذ البداية. ومدن قائمة تعاد صياغتها لتصبح أكثر عدالة واستدامة. وهي رؤية تجعل من التكامل بين المدن القائمة والجديدة أساساً لتحقيق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل .

كما تعكس هذه الاستراتيجية التزام الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحقيق رؤية مصر 2030. وتمهد الطريق لجميع شركاء التنمية من القطاعين العام والخاص. والمجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في تنفيذ هذا المشروع الوطني. الطموح الذي يفتح آفاقاً جديدة أمام الأجيال القادمة .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.