المهرج

 

 

 المهرج 

بقلم الكاتب… وليد يسري 

 

 

من حوالي أربع سنين بالظبط أدركت أن المرض النفسي أقوى بكتير في بعض الأحيان من المرض العضوي

 

أتعرف وسطنا بالمهرج، لأنه ساكت طول الوقت… 

وفي كل المشاهد هتلاقيه بيصرخ زي ما أنتوا شايفين في الصورة، من أربع سنين دخل علينا الشاب اللي بيصرخ دا وكنا في بروفات مسرحية……

أنا اللي كاتبها شاور لنا أنه عاوز ينضم للفريق، طبعا كان صعب نشوف واحد…

 

مبيتكلمش وعاوز يمثل بس بعدين….

اكتشفت أنه مش مغرم بالتمثيل ولا هو حابب ينضم لينا كل الحكاية أنه كتبلي على ورقة

 خليني في المشاهد اللي فيها بكاء وصريخ 

 

أنا بصتله وفهمته أن المسرحية دي كوميدية مفيهاش بكاء لأن الناس تعبت وعاوزه شئ يفرحها، فضل مستني وكل بروفه لمسرحية جديدة يكتبلي نفس الجملة وأنا أرد عليه نفس الرد

 

مكنش بيتكلم خالص ولا نعرفله أهل ولا أسم ولا أي شئ غاب بعدها سنة كاملة مبقاش يجي تقريبا كنا مش قد أننا نساعده ولا نفهمه المهم اتطلب مني أعمل……

مسرحية لرواية أجنبية شهيرة وكان فيها البطل بيموت وحبيبته والمساعدين بتوعه بيبكوا عليه وأنا بكتب في المشهد ده أفتكرت الجملة اللي الولد دا ديما يكتبهالي

 

 خليني في المشاهد اللي فيها بكاء وصريخ 

 

يومها اتصلت بالمخرج وقولتله نجيبه لأنه ولد غلبان خصوصا أنه مش هيتكلم ف الدور وإن دوره صغير و هيظهر وقت مشهد الموت وبس وبالفعل دورنا عليه لحد ما جبناه
ويومها كتبتله ورقه أنه خلاص هيمثل في الفريق

جه يوم عرض المسرحية، أنا ديما في أي عمل بكتبه بقعد في أول صف…. عشان أتابعهم وأكون قريب منهم، حقيقي اليوم دا الناس وأنا سبنا كل الابطال والمشهد، وركزنا علي الولد دا بيبكي وبيصرخ

وكأن البطل دا مات بجد… وكأنه أبوه مثلا أو حد عزيز عليه، صرخته وتعبيرات وشه خطفت قلوبنا كلها… والناس كلها صقفتله كتير جدا وأنا أولهم، حتى المصور فضل مركز بالصور مع المشهد بتاعه بعد المسرحية ما خلصت خد شنطته ومشي من غير ما يكلم حد بس قبل ما يمشي بعتلي ورقة مع حد ومكتوب فيها

 شكرا جدًا أنا دلوقتي أحسن شوية 

 

فضلت كل مسرحية أكتب مشهد موت مخصوص عشان خاطره يجي يأكل المسرح كله بالمشهد الصغير دا ويمشي

ولما فاتت سنة ورا سنة وعرض ورا عرض بقى قريب مني أكتر ووراني صفحتين من دفتر مذكراته حبيت أشارك بكام جملة منهم هنا… 

 

” الناس كلها اتجننت بعد أهلي ما ماتوا، محدش بيجي يزورني من قرايبي دا مش جنون ؟ محدش بيتصل بيا دا مش جنون ؟ طردوني من بيتي دا مش جنون ؟
أنا بقالي خمس سنين ساكت مش قادر اتكلم مع حد ومش لاقي حد هو ينفع أنسي الكلام وسط الزحمة دي كلها دا مش جنون “

 

والجملة الأهم بقى ” الناس لما يشوفوا مشاعري عبارة عن بكاء يضحكوا عليا بدل ما يخففوا عني، نفسي أصرخ مرة ومحدش يتريق “

 

لقيت شخبطة كتير …. وورق متقطع بس فهمت….

أنه جه عاوز يخّرج كل الكبت اللي جواه ويصرخ ويزعق من غير تريقة من حد…

 

يومها قررت أكتب مسرحية من بطولته اسمها

” المهرج

 

والمسرحية دي خدت الجايزة الأولى…

من قصور الثقافة واتكرم كأحسن ممثل في العرض لكن اللي كتير من حكام اللجنة، ميعرفهوش أنه عمره ما مثل ولا بيعرف وأن كل الصراخ والألم النفسي اللي في المهرج كان بجد.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.