بين النكسة والنصر.. كيف رد “مجدي” بطل إحسان عبدالقدوس على نظرات المجتمع القاسية؟

بقلم: محمد عبد القدوس

لم تكن “الرصاصة ما تزال في جيبي” مجرد قصة كتبها والدي، الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، بل كانت شهادة أدبية على مرحلة عصيبة من عمر الوطن. في أعقاب هزيمة يونيو 1967، عاش المصريون صدمة قاسية، ووجد والدي نفسه منسحباً من صخب الحياة، متألماً مما جرى، فكتب هذه القصة القصيرة، التي اختار لها عنواناً يحمل معنى عميقاً: رصاصة لم تُطلق بعد.. لكنها ما زالت تنتظر لحظة الكرامة.

القصة تدور حول “مجدي”، الجندي الشاب البسيط، الذي لم يطلق رصاصته في الحرب، فاحتفظ بها في جيبه، رمزا للثأر المؤجل. عاد إلى بلدته ليجد مجتمعاً ينظر إليه بنظرة لوم، وكأن الهزيمة عار شخصي يحمله. حتى “صفاء”، حبيبته، لم تسلم من تغير النظرات.

فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي
فيلم الرصاصة لا تزال في جيبي

من الهزيمة إلى العبور.. مجدي يعود إلى الجبهة

الهروب من نظرات الاتهام لم يكن خياراً سهلاً، لكن “مجدي” لم يقبل أن تظل الرصاصة في جيبه رمزاً لعجز دائم. عاد إلى الجبهة، مشاركاً في حرب الاستنزاف بكل بسالة، كأنما يصرخ في وجه اليأس: مصر لم تمت!

ومع عبور الجيش المصري العظيم لقناة السويس وتحطيم خط بارليف في حرب أكتوبر 1973، تحولت الرصاصة من رمز للانتظار إلى رمز للنصر. الرصاصة التي احتفظ بها مجدي، واحتفظ بها والدي في ذاكرته الأدبية، أُطلقت أخيرًا، لا لتصيب جسداً، بل لتسترد كرامة وطن.

من القصة إلى الشاشة.. وفاءٌ للتاريخ

الرواية التي وُلدت من قصة قصيرة تحولت إلى عمل سينمائي خالد بنفس العنوان: الرصاصة لا تزال في جيبي. الفيلم الذي أخرجه حلمي رفلة وبطولة محمود يس ونجوى إبراهيم وصلاح السعدني وحسين فهمي، لم يكن مجرد فيلم حربي، بل أول عمل فني مصري يوثق لحظة العبور من الهزيمة إلى النصر.

نال الفيلم إعجاب الجماهير، وحصل والدي على جائزة أفضل قصة وسيناريو، وساهمت موسيقى عمر خورشيد في تخليد مشاهد لا تُنسى، أبرزها مشهد أسر الجنود الإسرائيليين، الذي ظل محفوراً في وجدان المصريين.

الرصاصة التي تحدثت باسم أمة

“الرصاصة ما تزال في جيبي” ليست فقط قصة جندي، بل قصة كل مصري عاش مرارة الهزيمة، ورفض أن يسلم باليأس، حتى جاء يوم رفع فيه رأسه فخوراً بنصر أكتوبر.

هذه الرصاصة لم تكن من معدن، بل كانت صرخة من قلب الوطن: “مش هنسيب حقنا!”

وتبقى حكاية “الرصاصة” دليلاً على أن الكلمة يمكن أن تصبح رصاصة، والكتابة قد تتحول إلى شهادة خالدة على نهوض أمة من تحت الركام.

الكاتب/ محمد عبد القدوس
الكاتب/ محمد عبد القدوس
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.