تقلب طاقة الإنسان بين المدّ والجزر وعجائب التوفيق الإلهي
بقلم إيمان سامي عباس
تقلب طاقة الإنسان.. قد يمرّ المرء في لحظات يرى نفسه فيها مُنجزًا لأعمال عظيمة، محققًا لأهداف كبيرة، في وقت قصير وبأيسر جهد، بينما يعجز في أوقات أخرى عن القيام بأبسط الأمور، حتى عن رفع لقمة لطعامه. هذه التقلّبات البشرية ليست غريبة، فقد دلّنا الحديث الشريف: “اللهم إنّي أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل…” على أن الاستعاذة بالله تُمدّ المؤمن بطاقة متجدّدة، وتفتح له أبواب العون الإلهي، فيستطيع أن ينهض بأعمال باهرة تفوق الوصف، حتى يراها الناس من حوله خوارق للعادة، وربما يراها هو نفسه كذلك. ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويريه من آيات قدرته ما يدهش العقول.
نماذج من التاريخ
إنّ المتأمل في سير السلف الصالح يجد نماذج حيّة على هذا المعنى. فها هو أحد الصحابة يتعلم لغة الروم في بضعة أيام ليكون ترجمانًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وها هو الإمام الشافعي يضرب المثل في قوة الحفظ، وابن الجوزي في غزارة التأليف، وعمر بن عبد العزيز في عدله وحكمته، وابن تيمية في جهاده وتعليمه وتربيته. جميعهم نماذج مشرقة لأناس أمدّهم الله بكرامات وقدرات خارقة للمألوف، فكانوا علامات مضيئة في تاريخ الأمة. واليوم، لا شيء يمنع أن تنجب الأمة مثل هؤلاء، فالله سبحانه تكفّل بأن يبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، فيبقى الحق ظاهرًا والباطل مندحرًا مهما تغيّرت الظروف.
وليس بعيدًا عن زماننا أن نرى صبيًا صغيرًا يحفظ القرآن الكريم كاملًا قبل بلوغه الخامسة، أو أن تنتصر شعوب أعزلت إلا من الحجارة والعصيّ على جيوش مدججة بالسلاح. كما نجد علماء معاصرين ينتسبون إلى مئات المؤسسات، يوجّهون ويفتون ويقوّمون بعزيمة لا تعرف الكلل. وقد كان لعمر بن عبد العزيز وزير خاص لا عمل له سوى أن يذكّره بقول: “اتق الله”، وهو يحكم مشارق الأرض ومغاربها. أليس في ذلك برهان على أن العون الإلهي يصنع الأعجائب حين يلتصق القلب بالتقوى ويستمد العزيمة من الإيمان؟
كاتبه المقال
إيمان سامي عباس