حين تغيّرنا…بقلم / سعيد إبراهيم زعلوك

حين تغيّرنا

بقلم / سعيد إبراهيم زعلوك

في يومٍ ما، كان قلبي يضحك بلا خوف، وكنتُ أركض في الأزقة الضيقة للمدينة، ألتقط كل لحظة كما لو كانت حلمًا صغيرًا. كنتُ أؤمن بأن الحياة مليئة بالفرح الذي لا ينتهي، وأن الوجوه المبتسمة لن تختفي من حولي أبدًا.
ثم جاء العمر بصمته، ببطئه الحاد، وبطرق لا نعرفها إلا بعد أن نمرّ بها. لم أشعر بذلك إلا حين وجدتُ نفسي أجلس وحيدًا في المقهى القديم، أراقب الناس يمرون، أحاول أن أتذكر آخر مرة ضحكت فيها بحرية، بلا قيود. لم أعد أعرف ذلك الشخص الذي كنتُه، ذلك الذي يفتح قلبه للآخرين دون حذر، ويختلس من الزمان لحظاته الصغيرة.
كنتُ أرى نفسي في المرآة، وأستغرب الخطوط التي تشق وجهي، والصمت الذي أصبح صديقي الدائم. وقلتُ لنفسي: “أين ذهبت البهجة؟ أين ذاك القلب الخفيف الذي لم يعرف الخوف؟” لم يكن الزمن قد أخذ مني شيئًا، بل أنا من سمحت للأحزان أن تُفرّغ قلبي، وللخوف أن يبني حولي جدارًا صامتًا.
ثم جاء ذلك اليوم، يومٌ عاديّ على ما يبدو، حين جلست على ضفاف النهر، أراقب المياه تجري بهدوء. شعرت أن شيئًا بداخلي يستيقظ. بدأت أسترجع ذكرياتي، لحظات ضحكي مع الأصدقاء، ودفء أحضان العائلة، وبساطة السعادة التي كانت في الأشياء الصغيرة. لم يكن بإمكاني استعادة الماضي، لكن بإمكاني أن أستدعي جزءًا من نفسي، أن أعود لأكون صديقًا لنفسي المفقودة.
بدأت أكتب، أكتب عن كل شعور دفنته، عن كل لحظة ضحك رحلت بلا وداع، عن كل قلبٍ كتمت نبضاته. ومع كل كلمة، شعرت أنني أستعيد نفسي شيئًا فشيئًا. لم يعد قلبي كما كان، لكن بدأ ينبض بطريقة مختلفة، أعمق، أهدأ، وأكثر قدرة على الحب بلا خوف.
حين تغيّرنا، نفقد الكثير، نعم… لكننا نجد أيضًا إمكانية جديدة للقاء أنفسنا مرة أخرى، بطريقة لم نعرفها من قبل. ربما لن نضحك كما كنا، وربما لن تكون الروح خفيفة كما عهدناها، لكننا نستطيع أن نكتب الحكاية… حكاية البهجة المفقودة التي تعود إلينا بأشكال جديدة، بخطوط أعمق، وألوان أكثر دفئًا.
وفي النهاية، أدركت أن التغيير ليس فقدانًا فقط، بل دعوة للبحث عن الذات وسط رحى الحياة، لاستعادة ما يمكن إنقاذه، ولترك ما لا طاقة لنا على الإمساك به.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.