“ديسكورد”.. منصة الألعاب التي أشعلت الاحتجاجات في المغرب ونيبال

ديسكورد: من مجرد منصة لألعاب إلى ظاهرة تواصل عالمية

كتب باهر رجب

في عالم أصبحت فيه الاتصالات الرقمية شريان الحياة اليومي، برز تطبيق “ديسكورد” كظاهرة استثنائية تحولت من مجرد أداة للاعبين إلى منصة تواصل جماهيرية. ما قصة هذا التطبيق الذي استطاع اجتياز حدود مجتمعات الألعاب ليصبح مساحة افتراضية يجتمع فيها الملايين لمشاركة اهتماماتهم المختلفة؟

 

النشأة والتأسيس: من فشل لعبة إلى نجاح منصة

تعود جذور ديسكورد إلى عام 2012، عندما أسس جيسون سيترون استوديو ألعاب باسم “فينيكس غيلد” بهدف بناء تجارب تفاعلية جماعية. انضم إليه المطور ستانيسلاف فيشنيفسكي بعد عام، و أطلقا معا لعبة “فيتس فور إيفر” عام 2014 التي لم تنجح تجاريا لكنها شكلت البذرة الأولى لفكرة دمج أدوات التواصل مع بيئة اللعب.

أدرك سيترون وفيشنيفسكي الحاجة إلى وسيلة اتصال أكثر موثوقية أثناء اللعب عبر الإنترنت، فاستفادا من تجربتهما السابقة و أطلقا في مايو 2015 التطبيق الجديد تحت اسم “ديسكورد“. كان الهدف واضحا منذ البداية: توفير بيئة تواصل متكاملة أثناء اللعب وبعده، موجهة بشكل أساسي للاعبين على الحواسيب والهواتف المحمولة.

المميزات التقنية: عالم من الإمكانيات

يعتمد ديسكورد على نموذج “الخوادم” التي ينشئها المستخدمون حسب احتياجاتهم، ويرسلون دعوات المشاركة للآخرين. يتم تنظيم التواصل داخل هذه الخوادم عبر قنوات نصية مميزة برمز الهاشتاج (#) وقنوات صوتية بأيقونة السماعة.

تتسع الخوادم الكبرى لنحو نصف مليون عضو، مع سقف 500 قناة موزعة على 50 فئة. وتشمل الميزات البارزة:

القنوات النصية: تسمح بتبادل الرسائل والصور والروابط وملفات “جيف”.

القنوات الصوتية: متاح المستخدمين الانضمام والاستماع إلى محادثات جارية والتفاعل مباشرة.

البث عالي الجودة: مع معدل استجابة سريع يخلق شعورا كما لو أن المستخدمين يجلسون على نفس الأريكة.

المرونة في الاستخدام: يمكن الانضمام إلى المحادثات الصوتية أو النصية والخروج منها بسهولة دون الحاجة إلى دعوة.

التحول من منصة ألعاب إلى ظاهرة ثقافية

ظل ديسكورد لسنوات أداة محببة لمجتمعات الألعاب الإلكترونية، لكن جائحة كوفيد-19 شكلت نقطة تحول مفصلية. أثناء فترات الإغلاق، وجد الأفراد في المنصة وسيلة للحفاظ على مجتمعاتهم الافتراضية، واتسعت دائرة المستخدمين لتشمل الفنانين وصانعي المحتوى والمعلمين والشركات.

في مارس 2020، غيرت الشركة شعارها من “الدردشة للاعبين” إلى “الدردشة للمجتمعات والأصدقاء”، في تحول استراتيجي يعكس توسع نطاق المستخدمين. وبحلول سبتمبر 2025، بلغ عدد المستخدمين النشطين شهريا 200 مليون مستخدم، 90% منهم لا يزالون يستعملونه للعب بمقدار تشغيل 1.9 مليار ساعة.

النموذج الاقتصادي: بين المجانية و الاشتراكات المميزة

يعتمد ديسكورد على نموذج “فريميوم”، حيث تظل الخدمة الأساسية مجانية بالكامل، مع تقديم نسخة مدفوعة تسمى “ديسكورد نيترو” تمنح مزايا إضافية. تشمل هذه المزايا:

إمكانية الانضمام إلى 200 خادم بدلا من 100 في النسخة المجانية.

تخصيص الأسماء المستعارة و الإشعارات بحسب كل خادم.

استخدام الرموز التعبيرية المخصصة في أي مكان.

تعيين صورة رمزية متحركة.

وبحلول عام 2022، حققت الشركة إيرادات بلغت 220 مليون دولار، وقدرت قيمتها السوقية بـ5 مليارات دولار. وشهدت الشركة تقييما ماليا مرتفعا، حيث ناقشت تقارير في 2021 إمكانية بيع المنصة بأكثر من 10 مليارات دولار.

التحديات والانتقادات: طريق مليء بالعقبات

واجه ديسكورد انتقادات عدة، أبرزها عدم دعم اللغة العربية بشكل رسمي، الأمر الذي أثار استياء الملايين من المستخدمين العرب. كما واجه التطبيق انتقادات تتعلق بإدارة المحتوى وخصوصية المستخدمين.

من الناحية التقنية، يواجه بعض المستخدمين مشكلات في جودة الصوت، حيث لا يسمع الطرف الآخر المستخدم أو تواجه التسجيلات الصوتية صعوبات في الإرسال. كما أن عملية التحقق من الحساب تشكل عائقا لبعض المستخدمين الذين يفضلون دخولا سريعا بدون إجراءات معقدة.

مستقبل ديسكورد: آفاق التطور

علاوة على ذلك لا يتوقف ديسكورد عن التطوير، حيث أضاف مؤخراً ميزة “الأنشطة” التي تتيح اللعب داخل المنصة نفسها، و”مشغل التطبيقات” الذي يمكن المستخدمين من تشغيل الأنشطة من أي مكان على المنصة. كما بدأ في أواخر 2024 بتوفير الدردشة النصية والصوتية مباشرة داخل الألعاب.

ختاما، لم يعد ديسكورد مجرد منصة للاعبين، بل أصبح فضاء افتراضيا شاملا يجسد تحولا ثقافيا في طرق تواصل البشر، يجمع بين التكنولوجيا المتطورة والحاجة الإنسانية العميقة للتواصل والمشاركة، ليصبح بحق “مكانك للتحدث” بغض النظر عن اهتماماتك أو خلفياتك.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.