رحيل لطفي لبيب… وداع صاحب البصمة الإنسانية في الدراما المصرية

رحيل لطفي لبيب… وداع صاحب البصمة الإنسانية في الدراما المصرية

كتبت /ماريان مكاريوس

رحيل لطفي لبيب… في صبيحة الثلاثين من يوليو 2025، خيم الحزن على الوسط الفني المصري والعربي برحيل الفنان الكبير لطفي لبيب عن عمر ناهز الثامنة والسبعين. غادر الحياة في أحد مستشفيات القاهرة بعد صراع قصير مع أزمة صحية مفاجئة استدعت إدخاله العناية المركزة في أيامه الأخيرة. وأكد خبر الوفاة الفنان منير مكرم، عضو مجلس إدارة نقابة المهن التمثيلية، الذي نعاه بكلمات مؤثرة قائلاً: “فقدنا واحدًا من أنقى فناني جيلنا وأكثرهم إخلاصًا وحبًا للجمهور”.

مشوار بدأ من المسرح

وُلد لطفي لبيب عام 1947 بمحافظة بني سويف، وتخرج في المعهد العالي للفنون المسرحية. بدأ مسيرته الفنية من خشبة المسرح في السبعينيات، مشاركًا في عروض مسرحية تميزت بالعمق الفكري والرسائل الاجتماعية. كان شغوفًا بالفن منذ طفولته، لكن دراسته للفنون منحته القدرة على تقديم أدوار مركبة تحمل بين طياتها ملامح إنسانية صادقة.

بعد سنوات قليلة، انتقل إلى السينما والتلفزيون، وهناك برز اسمه بسرعة لقدرته على تجسيد شخصيات الأب والموظف ورجل الدولة والشرير بخفة ظل نادرة. تلك الموهبة المزدوجة بين الكوميديا والتراجيديا جعلته خيارًا دائمًا للمخرجين الباحثين عن ممثل “يملأ الشاشة” دون ضجيج.

بصمة في السينما والدراما

شارك لبيب في مئات الأعمال الفنية التي شكلت وجدان المشاهد المصري والعربي، من بينها أفلام “السفارة في العمارة”، “كتيبة الإعدام”، و”عسل أسود”، حيث أجاد تقديم أدوار ثانوية لكنها ظلت عالقة في الأذهان بفضل صدق الأداء وروح الدعابة التي كان يضفيها على الشخصيات. أما في الدراما التلفزيونية، فقد تألق في مسلسلات مثل “” و”زيزينيا” و”بالحب هنعدي”، فكان حضوره دائمًا مكملًا للقصة وركيزة أساسية في نجاح العمل.

لم يكتفِ لطفي لبيب بأداء الشخصيات النمطية، بل سعى لتجديد أدواته باستمرار، قدم دور مميز في فيلم “كلام في الممنوع” وظهر في أدوار متنوعة؛ من رجل القانون إلى الأب الحنون، ومن الجندي الصارم إلى الجد الطيب. هذا التنوع منح الجمهور صورة لفنان يملك قدرة على التلون دون أن يفقد صدقه أو احترامه لفنه.

الجوائز والتكريمات

لم يمر مشواره الطويل دون أن يحصد التكريمات التي تليق بعطائه؛ فقد حصل على جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ أكثر من مرة عن أدواره السينمائية، أبرزها عن فيلم سيد العاطفي. كما كُرِّم في مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي تقديرًا لمجمل أعماله، وحصل على شهادات تقدير من نقابة المهن التمثيلية ومن مهرجانات محلية ودولية عن أدواره في مسلسلات مثل زيزينيا والراية البيضا. ورغم أن الجوائز لم تكن يومًا غايته، كان يعتبرها “وسام تقدير من الجمهور قبل النقاد”، مؤكدًا أن أعظم تكريم للفنان هو حب الناس واستمرارهم في ترديد جمل شخصياته.

على الرغم من انشغاله بالسينما والتلفزيون، لم ينسَ لطفي لبيب عشقه الأول: المسرح. فقد ظل يشارك في عروض مسرحية طوال مسيرته، مؤمنًا بأن خشبة المسرح هي مدرسة الممثل الحقيقية. في حواراته الأخيرة، كان يؤكد أن المسرح منح شخصيته الفنية صلابة وقدرة على التفاعل المباشر مع الجمهور، وهو ما انعكس على أدائه في كل أعماله الأخرى.

محطات إنسانية في حياته

بعيدًا عن الأضواء، عُرف لطفي لبيب بإنسانيته وهدوئه وتواضعه. لم تطله أي خلافات فنية أو أزمات شخصية في الوسط الفني، وكان دائمًا ما يُضرب به المثل في الالتزام والاحتراف. عاش حياة أسرية هادئة، وحرص على إبعاد أسرته عن صخب الإعلام، مكتفيًا بأن يترك بصمته الفنية للجمهور دون استعراض لحياته الخاصة.

في السنوات الأخيرة، تعرض لأزمات صحية متكررة أجبرته على الابتعاد عن التمثيل لفترات، لكنه ظل حاضرًا في قلوب محبيه من خلال أعماله القديمة وتصريحاته القليلة التي كان يوجه فيها رسائل محبة لجمهوره.

رحيل هادئ وصدى باقٍ

رحيل لطفي لبيب شكّل خسارة فادحة للفن المصري والعربي؛ إذ فقد الوسط الفني أحد أعمدته الموثوقة وصاحب التاريخ الحافل بالأدوار الخالدة. ومع انتشار خبر وفاته، توالت برقيات العزاء من زملائه ومحبيه، وتحوّلت منصات التواصل الاجتماعي إلى دفتر عزاء افتراضي، يستعيد فيه الجمهور مشاهد من أفلامه وجمله التي ظلت محفورة في الذاكرة.

قد يغيب لطفي لبيب جسدًا، لكن أرشيفه الفني سيظل شاهدًا على فنان اختار أن يعيش في قلوب الناس ببساطته وموهبته وابتسامته الصادقة. فحين نعيد مشاهدة مشاهد السفارة في العمارة أو عسل أسود أو زيزينيا، ندرك أن الفن الصادق لا يموت، وأن لطفي لبيب سيبقى حيًّا كلما ارتسمت ابتسامة على وجه مشاهد تذكر إحدى عباراته أو مواقفه الخفيفة الظل.

بقلم الاستاذة/ماريان مكاريوس

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.