“رساله بلا هويه!”

“رساله بلا هويه!”

بقلم أحمد عز

“لا يعرف معنى الحياة إلا من فقدها أو أوشك على فقدانها”  دوستويفسكي

إستقل بالإمس (ثائر وصابر) السياره في نزهه ليليه؛ لملاقاة أحد الأصدقاء العائدين من إحدى الدول العربيه؛ ليستعيدوا الشوق المفقود والترحاب الجم والأحاديث المعتاده في جو من المرح والبهجه، في محاوله لإستدعاء ذكريات الماضى وضحكاته المتعاليه على المواقف التي لا تنسى .. مع قليلٌ من التهكم على مُجريات الحاضر المتسارعه وما يشوب المستقبل من خوف وقلق وإرتياب ..ولما لا فتلك عادة المصريين؛ يستخدمون دائما النكات والضحكات كسلاح لمواجهة المصاعب والعقبات!

قبل التحرك نحو الوجهه المنشوده، تنهد “صابر” تنهيده يسمع لأنينها أصحاب القلوب الهينه اللينه المُشفقه على نفسها قبل الأخرين .. فهى تنهيدات لا تُدرك بالبصر ولا بالسمع؛ بل تدرك بالبصيره والحدس الداخلى!

“ثائر” : سأله ماذا بك يا صديقى؟

أشعر بخفقات قلبك المضطربه.. كالغريق الذى يصارع الأمواج في البحر بينما تتلاطم به شرقا وغربا، هون عليك يا أخى!

“صابر” : أتعلم يا صديقى؟ ..

إنما الأشياء الصغيره المتراكمه هي التي تفقد الإنسان بوصلته وقدرته على التحمل ومواصلة التقدم نحو وجهته، تُدخله في حاله من الصمت أو التجاهل الرهيب كحائط صد أول ضد كل قذائف الواقع المتصارع وقصف هزائم  الماضى لحاضره!

كان صابر ينتظر مواساة “ثائر” بجمل مألوفه تطيب به نفسه ولو حتى بكلمه “معلش” .. بينما كان ثائر ينتظر هو الأخر أن يبوح عما يدور بداخله ويصمت عنه لأيام طويله طويله..

“ثائر” أتعلم يا صديقى؟

الكثير يدعوننى بالمثقف .. بينما أنا في الحقيقه كما قال (دوستويفسكى)؛ أنا لست مثقفا ولكنى أحس وأشعر، وهذا يعنى أنك مازلت “إنسان حقيقيا” وإن بدا لك وللأخرون غير ذلك.

إذا ما راقبت إعلانات الفيس بوك والفضائيات؛ ستجد إعلانات لقارئ لغات الجسد وعلم الطاقه والشكره وكيف تصبح خبيرا في الولا حاجه في ٦ ثوانى.. لكن الحقيقه كل ذلك قد يُختزل في جمله واحده (كيف تُصبح إنساناً حقيقياً) أو بالأحرى كيف تستعيد ذاتك (كإنسان حقيقى بفطرته السويه)، كيف نعود لأدراجنا البشريه الحقيقيه، بل كيف ينتزع الإنسان إنسانيته من مستعمرات الإنسان المعاصر (في ثوبه الجديد؟)، إنسان تحركه الترندات والعوالم الإفتراضيه الخفيه..إنسان تعلم الجبن والسفه والمقارنه وزوال الرضا وعدم الإكتفاء والقناعه بما في يديه..الانسان الحائر الضال الفاقد للمعنى .. هذا هو أعظم إنجاز حقيقى للبشريه!

أكاد أجزم إذا ما سألت كلا منا عما يدور بداخله من معارك شخصيه داخل صدره؛ ستجده في حيره من أمره..ستجد صدره ملئ (بالرسائل الفاقده للوجهه والهويه) لدرجه أنك ستجده يعجز عن أمرين..

“التعبير عما يدور بداخله” – “الإفصاح عما يريده تحديدًا!” 

 الكل أصبح يصارع هنا وهناك، يهرول هنا وهناك ..أصابهم “داء الصمت”.. الذى هو تعبير عن كم الخذلان والتعب والأسي والشقاء ..بل تعبيرًا عن منتصفات الأشياء .. فلا منه قادر على مواكبة الأحداث المتسارعه والترندات المزيفه ولا قادر على أن يتراجع للخلف إلى منطقه الأمان؛ أصبح ليس مطالبًا بالسعي بل أصبح دائمًا (مطالبًا بأمر ما) وعلى ما يبدو هى الهروله وأن تُصبح هيسيتريًا نجمًا لامعًا جاذبًا لأنظار المحيطين.. بدلًا من أن تقع في غرام نفسك أولا وقناعتك بما في يدك وما تسعى له ..فتبتعد أميال وأميال وتغترب عن ذاتك اكثر واكثر حتى تجد نفسك في محطة الكهوله لا تعلم كيفما طالتك الشيبه وفيما أفنيت شبابك؟!

 لقد وقع الإنسان المعاصر بين (مطرقه: العصر الحديث وضغوطه ومقارناته المستمره) وبين (سندان :  طموحه وأهدافه وما كان يطمح ان يصير عليه، ليكون نسخه مميزه فريده ذات قيمه مُخلده بسيرته وأثره)،  لقد جنحت سفينته عن كونه مواطن صالح شريف صاحب مبادئ وقيم إلى وجهه لا يعلمها!

أما القوه الثالثه التي ستضرب بالمطرقه على السندان هي “المجتمع” تلك القوه الممثله للعاهات والتقاليد الضاغطه بقوه في أن تسير في المسار النمطى المتوارث ..فلا هم “يشعرون بمآسيك ولا هم يفهمونك!”

وها نحن يا صديقى أوشك رصيد أسامينا على النفاذ .. فلا أصبحت صابرًا حليمًا لآلام الحياه ومشاقها بما يكفى، ولا أصبحت ثائرًا شغوفًا شعلة طموح بما يكفى كما كنت من قبل ..فوقعنا في منتصفات الأشياء، وقعنا في (ثقب الصمت الدودى) الذى يلتهم رسائلنا بداخلنا، رسائلنا مجهولة الوجهه والهويه!

ثم عم الصمت للحظات أركان السياره، حتى أمسك بمفتاحها ذلك الإنسان القابع بداخلها الذى يجسد نصفه الأيمن “صابر” وأمسك نصفه الأيسر (ثائر) مقود السياره حتى كسرت حدة الصمت صوت مُحركها مع همسات “كايروكى” ..

وبعدين ..

كل أما اخد خطوه أرجع إتنين

العمر بيجرى سابق السنين ..

أنا شاب لكن من جوه عجوز

عندى جناحات بس محبوس..

مجروح بنزف طموح..

ومازالت السياره تتحرك نحو وجهتها!

وللحديث بقيه

الكاتب

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.