صرخة معلمة.. رفضت أن تهان كرامتها أريد احترامي : من يوقف إهانة العلم والمعلم

تدهور هيبة المعلم وإهانة المعلم جريمة في حق الوطن

في بلدٍ اشتهر عبر العصور بأنه منارة للعلم والعلماء، حيث كان المعلم يحتل مكانة تضاهي مكانة الأب، ويحظى بتقديرٍ يليق برسالته السامية، ها نحن نستيقظ اليوم على واقع أليم تشوهه حوادث الإهانة والتطاول على قدسية العلم وأهله. حادثة إهانة معلمة الإسكندرية ليست سوى مثالا صارخا على نزيف أخلاقي يتفشى في بعض مدارسنا، حيث تجرأ طلاب على معلمتهم، ممزقين بذلك حرمة كانت فيما مضى من المسلمات.

 

بقلم: عزة الفشني

لطالما كان المعلم في ذاكرتنا الجماعية هو حجر الزاوية في بناء الشخصية، والمثل الأعلى الذي يحتذى به. كان الطالب ينظر إليه نظرة تقديس، كأب ثانى ينهل منه علما و أخلاقا. كانت كلمة المعلم مسموعة، ونظرة الرضا منه تعد أعلى درجات التقدير. كان المجتمع بأسره يحيط المعلم بهالة من الاحترام، إدراكا منه بأن هذا الرجل هو مهندس المستقبل، وباني أجيال الأمة.

 

لكن رياح التغيير التي هبت في الآونة الأخيرة لم تأتي بما كان يرجى. فبدلا من أن ترتقي بالمكانة، شهدنا تراجعا مروعا في قيمة المعلم وهيبة العلم. لقد أصبح المعلم اليوم في بعض الحالات -وليس جميعها- هدفا للاستهانة والإهانة، في مشهد يمثل انتهاكا صارخا لأبسط حقوقه الإنسانية والمهنية، ويستدعي وقفة جادة لاستعادة ما بدأنا نخسره من قيم.

البيت شريك في المسؤولية

في تحليلنا لهذه الأزمة، لا يمكن توجيه سهم اللوم نحو طرف واحد. فالتقصير ليس حكرا على المدرسة أو وزارة التربية والتعليم. فالأسرة شريك أساسي في هذه المعادلة. فالأهل هم المدرسة الأولى التي تغرس في الطفل بذور الاحترام والتقدير للعلم و معلمه. كيف نطالب المدرسة ببناء ما لم تقم الأسرة بتأسيسه؟ على الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة عملية لأبنائهم، وأن يغرسوا فيهم منذ نعومة أظفارهم أن المعلم هو المنارة التي تضيء دروب المعرفة، وأن إهانته هي إهانة للعلم نفسه.

 

من أخطأ يحاسب

إن العقوبة التي تلقاها أولئك الطلاب بالفصل المؤقت هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها تبقى غير كافية في نظر الكثيرين. فلو تكرر مثل هذا الفعل الشائن، فيجب أن تكون العقوبة أشد، ربما بالفصل لمدة عامين، وإذا وصل الأمر إلى الثالثة، فليكن الفصل نهائيا. فالحساب الرادع هو الذي يردع النفوس المئالة إلى الانحراف.

الرأى الاخر

كما أن هناك حزب من الآباء والمعلمين يرون أن فصل الطلاب ليس بالأمر الصحيح وأنه ليس حل لهذه المشكله ويجب أن تكون هناك خطوات علميه و مدروسه تجاه هولاء الشباب فى هذه المرحله الخطره من العمر وكيفيه تقويمهم

كما أتذكر حين كنت في الصف الأول الإعدادي، وطلب منا الحضور بزي مدني بمناسبة احتفال مدرسي. حضرت مرتدية “بنطلون و تيشيرت”، يتفاجئ الجميع بأن المديرة تحرمني من حضور الحفلة و توجهلي توبيخا قاسيا. ذلك الموقف، رغم قسوته حينها، علمني درساً في الالتزام والاحترام لم أنساه طوال حياتي. لقد تربينا على مبدأ “التربية قبل التعليم”، وعلى أن من أخطأ يجب أن يحاسب، كي يكون عبرة لغيره.

مسؤولية المدرسة والوزارة: نحو حماية حقيقية للمعلم

الحادثة الأليمة التي نعيشها هي جرس إنذار يدق ناقوس الخطر. يجب على المدرسة والوزارة أن تتحملا مسؤوليتها كاملة في حماية المعلمين والمعلمات. فصول الطلاب المشاغبين لمدة عام قد لا يكون رادعا كافيا لأمثالهم، خاصة وأن استهتارهم يشير إلى عدم مبالاتهم بأصل العملية التعليمية.

 

من هنا، فإنني أدعو إلى التفكير في إصدار تشريع جديد خاص بالطلاب المشاغبين، لا يعتمد على السجن أو الحبس، بل على نظام خدمة عامة. لماذا لا يلزم الطالب المتهور بالعمل في مصانع أو مزارع تابعة للدولة لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر؟ مثل هذه التجربة قادرة على صقل الشخصية، وغرس قيم المسؤولية والعمل الجاد، وإخراج شباب يدرك قيمة الوقت والجهد.

دور المؤسسة الدينية و”المؤسسة الوطنية لتقويم الأخلاق والسلوك”

كما أتوجه بدعوة صادقة إلى المؤسسة الدينية، مسيحية و إسلامية، للمساهمة في معالجة هذا الخلل الأخلاقي. يمكن للمساجد والكنائس أن تطلق برامج توعوية مبسطة للأطفال و النشء، تركز على غرس القيم والأخلاق واحترام المعلم. كما يمكنها تقديم الدعم والإرشاد لأولياء الأمور في ترسيخ هذه المبادئ في أبنائهم.

 

وفي إطار أوسع، لم لا نفكر في إنشاء “المؤسسة الوطنية لتقويم الأخلاق والسلوك”؟ مؤسسة وطنية رفيعة المستوى، تشرف عليها وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع هيئة قضائية متخصصة في شؤون الأحداث، وربما بإشراف وحدة عسكرية لضمان الانضباط. تهدف هذه المؤسسة إلى استقبال وإعادة تأهيل الشباب والأحداث الذين يتجاوزون الحدود الأخلاقية والسلوكية، سواء في المدرسة أو الشارع. وذلك بناء على قرار قضائي أو إحالة من المدرسة أو المجتمع المحلي.

 

كذلك تعتمد هذه المؤسسة على برامج تربوية ونفسية و انضباطية شاملة، تهدف إلى إعادة صياغة شخصية الشاب، و دمجه مرة أخرى في المجتمع كمواطن صالح. فانهيار الأخلاق هو بداية انهيار الأمم، و نهضتنا لن تتحقق إلا بتربية النشء على القيم السامية، ونبذ العنف، واحترام الآخر.

في الختام: المعلم شريك في بناء المستقبل

لا شك أن مصر، بأبنائها الواعين، قادرة على تجاوز هذه المحنة. فبالعلم والأخلاق نبني الأمم. مصر بلد العلم والعلماء، ولا يجوز أبداً أن يهان فيها معلم. كرامة المعلم من كرامتنا جميعا.

 

علينا أن نعمل يدا واحدة لاستعادة هيبة العلم والمعلم. أن نغرس في أبنائنا أن المعلم هو ذلك الجندي المجهول الذي يبني العقول ويشكل مصير الأمم. يجب أن نكون قدوة لهم، وأن نذكرهم دائما بأن التربية تأتي قبل التعليم، وأن الاحترام هو أساس تقدم المجتمعات. احترام من يعلمنا، نستحق أن نكون أمة متعلمة.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.