عندما يهدم العلم تلك الأسوار

عندما يهدم العلم تلك الأسوار

 

بقلم: د/ سمر عبد العظيم

إنه لمن سوء الحظ ، ألا نُدرك ما يُراد بنا ، فَنُصرَف عما ينبغي أن نفكر فيه كأفراد ومجتمعات ، فيصيب غيرنا الهدف ، ونحن لا نشعر !

المقولة من كتاب “النباغة والاستحمار” لعلي شريعتي والتي حين قرأتها أثارت في الكثير من الريبة المغلفة بالتساؤلات.

كم من الوقت والجهد نبذله في ضمان أن يكون فعلنا جيد وله قيمة ولكن لا نُسَّخِر من الوقت الا القليل لفهم مبتغانا الحقيقي في هذه الحياة، ماذا يراد بنا وما مغزى وجود كلٍ منا في مجتمعه.

كأستاذٍ جامعي قضيت عمراً داخل أسوار الجامعة لم يخطئني أبداً الشعور أنه وبالرغم من أهمية الانتاج العلمي الذي نعكف على انتاجه داخل مؤسساتنا البحثية والتعليمية الا أن هناك شيءً مفقوداً، خطوةً ربما علينا أن نحققها ليتحقق بها العلم ويحقق بها العلم مبتغاه ومبتغانا.

حين أُنشِئت الجامعات ككيانات أُنشِئت في ارتباط شبه مشروط بمجتمعاتٍ تحيط بها، ليس فقط كحقيقة جغرافية ولكن أيضاً وجدت ربما لتلبي احتياجات مجتمعاتها المتفردة ومن ثم كان هناك توقع أن تصيغ الجامعات رؤاها في أُطُرٍ يفرضها عليها مجتمعها المحيط.

مع مرور الزمن ارتفعت أسوار الجامعات وصارت أكثر تحصيناً فأصبحت وكأنها تحمي خصوصيتها من المجتمع الذي أُنشِئت لخدمته. لم تنجح في رأيي كل محاولات اعادة ربط الجامعة بالمجتمع والتي تزعمتها هيئات الاعتماد المحلية والدولية.

كلها محاولات بدأت واستمرت في عزلة عن العلم والمخرجات العلمية البحثية.

كلما مر الزمن، زادت العزلة بين العلم والعامة. ولذلك في رأيي ضرر عليهما معا، العلم والعامة.

العلم والعلماء

بدون شك أصبح العلم والعلماء غرباء في مجتمعات ازدادت بعداً عنهم وتجاهلاً لهم وجهلاً بهم.

لا نلومن الا أنفسنا كعلماءٍ فنحن كما قال علي شريعتي “لم ندرك ما أريد بنا”، نحن من اختبأنا خلف أسوارمحاريب العلم متناسين أن العلم خُلِق في أصله لصلاح الشعوب وليس للنشر في الدوريات العلمية فحسب.

بالطبع هناك دائما نقاط مضيئة ومحاولات بعضها خلدها الزمن مثل محاولات د مصطفى محمود شديدة التأثير في نشر العلم في اعلام مرئي ومقروء معا ومحاولات أخرى كثيرة تلبس ثوب الحداثة في بعض انتاج صناع المحتوى القائم علي البحث الجيد والتوثيق. لكن من المؤكد أننا نستطيع فعل المزيد.

كلما اتسعت الفجوة بين العلم وعلمائه من جهة وبين المجتمع زادت قلة الثقة بين الطرفين وفتح باب لما نسميه بالعلم الزائف وهو كل خرافة يغلفها أصحابها في صورة واقعية أو كل وهم يطمئن له الناس. هكذا يسهم العلم في تجهيل المجتمع بدلا من تثقيفه وتنقيح ما يخاطب عقله.

الخرافات

في تجربة مجتمعية قمت بها تحت اشراف ورعاية أستاذ سامح سند صانع المحتوى الشهير قمنا بتخطيط وتنفيذ حملة معلوماتية عن طريق تصميم وتنفيذ محتوى مرئي عالي الجودة لتفنيد مجموعة من الخرافات التي تسيطر على فئة مجتمعية محددة. كانت تجربة مميزة في كل محتواها وتفاصيلها وقدمت شراكة حقيقية مع المجتمع باستخدام الأدوات الأقرب الي يده وقلبه ومخاطبته مخاطبة مباشرة.

لم أشعر في تاريخي المهني بتحقق مثل ذلك الذي عشته في هذه التجربة وكيف أنها كشفت الغطاء عن تعطش المجتمع للعلم ولمن يخاطبه بلغة يفهمها ويحترم في الوقت ذاته عقله.

الباب السحري

زادتني هذه التجربة رغبة في أن أبقي هذا الباب السحري الذي انفتح علي عقول وقلوب الناس مفتوحا ثم التنوع في صياغة الرسائل حتي نتوسع في القاعدة المستقبلة للمحتوى فكان قرار نشر كتاب “ميت مطلوب للشهادة” والذي يتناول علم الطب الشرعي في اطارمن القصص المبنية علي تفسيرات علمية والمصاغة بلسان أدبي.

كان هدفه أن يحدث فرقا ويغير وجدانا ويحدث حالة من النقاش المجتمعي حول موضوعات علمية يتناولها العامة وقد سلحوا بمفردات الفهم.

حكايات من أروقة الطب الشرعي

مع اطلاق كتاب “ميت مطلوب للشهادة: حكايات من أروقة الطب الشرعي” الصادر عن دار دَّوِن للنشر و التوزيع بمعرض كتاب القاهرة نكون قد بدأنا رحلة جديدة في طريق هدم تلك الأسوار التي تعزل العلماء بعلمهم عن المجتمع وسيساعدنا في هدمها كل هؤلاء القراء الذين لا يستعذبون الكلمات والصياغات فقط ولكن يحترمون من يحترم عقلهم أيضا.

كاتبة المقال

د/ سمر عبد العظيم استاذ الطب الشرعي بكلية الطب جامعة عين شمس والعميد الأكاديمي لكلية دبي الطبية مؤلفة وأدبية 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.