فرحنا بنجاة فرد كي يدفن الـ 26 الباقين وبينهم 17 طفل
استيقظت في الثاني والعشرين من أكتوبر الماضي، على مشهد منزل أخوالها في قطاع غزة وقد سوي بالأرض، وتابعت عبر شاشة التلفاز إخراج جثامين 26 فردا من عائلتها من تحت الأنقاض بينهم 17 طفلا، تقول “تجمدنا جميعا أمام الشاشة.. لحظات صمت وعدم تصديق سرت في كل الأسرة قبل أن تفقد والدتي وعيها. لقد قُصف البيت في الثالثة فجرا، أخرجت الجثامين وهي ملفوفة في بطانيات، كانوا نياما، وقُصف الأطفال وهم نيام”.
تعيش زينب سليمان مع والديها وأختها في القاهرة منذ ثلاث سنوات، ولساعات، بحثت زينب وأختها في فيديوهات وصور تنشر على موقع تلجرام لجثامين أُخرجت من تحت الأنقاض يوميا في قطاع غزة.
قالت: “كنا نريد معرفة إذا كان أحد قد نجا من القصف، كنا نفتح الصور ونقوم بتكبيرها لنرى الاسم المكتوب على الكفن أو وجه الشهيد الظاهر منه لنعرف هل الجثمان لنا أم لا؟ كانت ساعات لا تحتمل”.
أخيرا وجدنا فيديو يظهر ابن خالي وهو واقف أمام عدة جثامين مرصوصة مكتوب عليها “عائلة حماد العروقي” فعلمنا أنه على قيد الحياة وفرحنا أنه نجا لكي يدفن الباقين.
محو عشرات العائلات
تقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن عشرات العائلات محيت بالكامل من السجل المدني بغزة جراء القصف الإسرائيلي الأخير على القطاع. بسبب ذلك عادة ما تُحمل الجثامين للمستشفى ليصلي عليها الحاضرون أيا كانوا قبل أن تدفن. فأحيانا كثيرة لا يكون هناك فرد واحد على قيد الحياة ليدفن من قتلوا.
كانت الشوارع مكسرة ومليئة بالأنقاض، تقول زينب، “عندما تواصلنا مع ابن خالي علمنا أن الجيران هم من هبوا لانتشال الجثامين وإخراج من كان على قيد الحياة
كان البيت به 30 فردا منهم 20 طفلا و6 نساء وأربعة رجال. نجا ثلاثة أطفال مع ابن خالي. أُخرج أحد أخوالي وهو مقسوم لنصفين، وعثر الجيران على أشلاء متفرقة لا نعلم لمن هي من العائلة حتى الآن.
“بينما عُثر على ابنة خالتي ذات الأشهر السبعة وهي على قيد الحياة قبل أن تستشهد بعدها بساعتين، كانت تعاني نزيفا داخليا وبسبب نقص المعدات الطبية لم يتم اكتشافه”، وخوفا من دفن القتلى بمقابر جماعية أصبح سكان القطاع يكتبون أسماءهم على الأيدي والأرجل ليتعرف عليهم أحد إذا تم انتشالهم.
ضربة واحدة محت ذكريات سنوات
تتذكر زينب محادثتها الأخيرة مع ابنة خالتها مريم، تقول كانت مريم تحب خبز الحلوى، وفي آخر مكالمة بيننا قالت لي “انظري لهذه القناة على يوتيوب بها وصفات رائعة لحلوى يجب أن نخبزها سويا عندما تأتي .. لم أعلم أنها ستكون محادثتنا الأخيرة”.
يقع منزل عائلة حماد العروقي في المنطقة الوسطى بقطاع غزة، وهي من المناطق التي تعد آمنة وبعيدة عن الشمال الذي طالب الجيش الإسرائيلي سكانه بالنزوح. ولكن رغم ذلك، تقول زينب، لم يهدأ القصف على المدنيين في المنطقة، وسوي الشارع الذي يقع فيه منزل أخوالها بالأرض تماما.
أقسى الحروب على غزة
تقول زينب إنها عاشت في قطاع غزة أربعة حروب كبرى أعوام 2008، 2012، 2014 و2019 كما عاصرت “ما نسميه في غزة “بالتفاريح” وهي جولات التصعيد التي تستمر لأسبوع أو اثنين لأنها بالنسبة لنا مشهد اعتدناه فلم نعد نفزع لقذائف الجيش الإسرائيلي علينا. ولكن رغم كل ذلك تبقى هذه المرة هي الأقسى علي. فلأول مرة أنا هنا بعيدة عن عائلتي لا أستطيع لمسهم واحتضان الصغار للمرة الأخيرة، هنا لا أستطيع المساعدة.”
كل ما أتمناه الآن، تقول زينب، هو هدنة ليس لإدخال المساعدات، بل لتتمكن العائلات من انتشال أبنائها من تحت الركام ودفنهم. ليتمكن المكلومون من وداع أحبتهم.. ليتمكنوا فقط من أخذ فرصة لاستيعاب ما خسروه للأبد.