في مذكرات إبليس … بقلم /د: جعدوني حكيمة نينارايسكيلا

في مذكرات إبليس

بقلم / الدكتورة: جعدوني حكيمة نينارايسكيلا

“إبليس” هو الذي شتّت شمل بني آدم ومن كان قبلهم من مخلوقات الجن، خلق بينهم الفزع والنزاع، زرع بينهم الفتنة، أردى صبرهم، وسوس لبراءتهم، نزع من قلوبهم الصبر والزهد والحب والإحترام، وملأها بالعجلة والأنانية والكره والوضاعة وإتباع الأهواء، فقط لينهشوا راحة بعضهم البعض مثلما أكلته نار حسده، ويقاتلوا بعضهم البعض مثلما قتلته الوحدة والعجز والكزّ، ويستضعفون ثم يسخرون من بعضهم البعض مثلما استضعفته جدران الجليد.
لم يكتفي بذلك، بل وزيّن لهم بشاعة العذاب فوصفه لهم متعة، على عكس ما مرّ به شخصيًا، حتى هذا لم يقنعه ويشفي غليله وينهي حنينه للإنتقام الكامل الذي لا يمكنه أن ينتهي طبقًا لبنود “إبليس” التي تسنّ مضاعفة العقاب وتشديده لأبعد أذيّة حتى يسدّدون جميع ذرّات الوقت الذي قضاه في حفرة الألم، مع أنه يعلم بأن تعذيبه لأعدائه سيطول جدا نظرًا لمكوثه في الظلمات أكثر من مكوثهم وأجيالهم على “الأرض الأم “، وحتى الآن لا يزال ” إبليسَ ” على عهد القصاص والعدوان.
،؛، عندما يتمّ إبتلاء المؤمن ذو الطاقة الإيجابية والأصل الشريف الوديع ..
يزداد إيمانًا، يحصد محصول قوته من مزرعة شقاءه، يتعفّف بالتحمّل فيرتقي لمزار الحكمة والرشد، المؤمن الحقيقي يصنع من حرمانه صدقة يعطيها للأقلّ منه ضررًا، ويؤسس من قلّة حيلته حضارات للشكر والإمتنان.
المؤمن الراسخ يغزل من مصائبه وكربه خوفًا واضحًا على أخيه من مثل ما أصابه، المؤمن الفحل في عزّ الغمّ والحزن والكسر يدعو مع غيره بالسرور والفرحة والجبر.
أما حينما يتمّ إبتلاء الكافر ذو وعي غافل وجهل عاقل .. يزداد جُحُودًا وبَطَر، يغوص في مستنقعات التحسّر، يغذّي سخطه بالغيرة والغدر، هو لا يحاول، وإنما ينفّذ الاستسلام ثم ينحني لمقصلة الأمر وإذا ما رفع رأسه، يكون ذلك مجرّد نفاقًا فيضع عنق مصيره في مشنقة السوء والمكر.
من هنا إذن ينشقّ الشرّ، ذو هدف القضاء على صاحبه قبل كل أمر، سيموّهه ليقدّم أفضل ما لديه من قبح، يظن بأنه أساس التحكّم والتكبّر والإفتخار، يهديه خبثًا يعتقد به إلحاق المكروه بمن حوله في حين يقوده ربّ الضلال ليؤدي ثمنها لاحقًا، ستستحضر إرادته أرواح التحريض التي ستخرجها من مقبرة الثأر وتلحّ عليه إحراز حقه بيده وألا ينتظر أوان العدل.
سيسوق بصاحبه إلى مفترق الشبهة فيتركه هناك بين شكّ ويقين، سيوسوس له أن يتخلّص من مظلّة التحمّل ويخلع عنه معطف الصبر لكي يصيبه برد الجزع ومن ثمّ نزلة الضجر ، سيضع له أسبابًا مزيّفة ليتّهم بها الجميع حتى يزعج راحة الجميع، ويكون بذلك العدوّ الوحيد للجميع، بهدف إبعادهم عنه واستقطابه لأكبر ألم وعدم..، سيجرحه ويلفّق التهمة لمن هو قادر على علاجه، حتى لا يجد من يشفيه، سيدّعي أنه يضمّد جراحه، لكنه في المقابل يضغط عليها، لتزداد تقرّحًا ويزداد صاحبها حقدًا على الأبرياء ..
هكذا هو الشرّ الذي يستفرد بكافرٍ تغذّيه الأنانية وحب الأذيّة وموهبة التخفّي خلف المبادرة بيد العون والتأييد والتوعية ،؛،
قرر أن يرميهم بالنَّيْطَل، فاختار إهلاكهم عن بكرة سعادتهم، ولكي يستطيع لذلك سبيلا عليه أن يتمهّل؛ حتى يدمّرهم حسب إشتهاءه وكما تهوى نفسه التي اعتبرها في عداد المظلومين، فالطريقة الوحيدة التي سيلجأ إليها ” إبليسَ” لإتعاب أعداءه “الجنّ” ، هي مراقبتهم لملايين دهور أخرى حتى يتمّ له معرفة كل شيء عنهم، بالتفصيل والبرهنة والتعليل.
أخلى باله من التفكير في أي مسألة ستشغله عن رسم خطّته بإتقان، فدخل عصر التفرّغ للمهمة.
أمامه رحلة طويلة، عليه الوصول إلى محطتها الأخيرة وقد نال ما صمّم لنيله.
أشواط ضخمة سيقطعها، تتطلب منه طول بال ورحابة خاطر ورجاحة صبر وموهبة ترسيخ، يسعى بهم لتحصيل كل ما يتعلّق بقوم “الجنِّ” من معلومات.
سيجمع التساؤلات ويقوم بتنسيقها ثم يوزّعها على أَرْفُف العصور، التي ستكون بمثابة مراحل سيترحّل عبرها تقريره الواسع.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.