كريمات تفتيح البشرة تهدد حياة ملايين النساء في أفريقيا

 

كريمات تفتيح البشرة تهدد حياة ملايين النساء في أفريقيا

بقلم: طه المكاوى

في قلب القارة السمراء، حيث ارتبطت البشرة الداكنة عبر التاريخ بالقوة والجاذبية، تواجه ملايين النساء اليوم خيارًا مأساويًا: جمال زائف مؤقت مقابل صحة مدمَّرة. فقد تحولت صناعة تفتيح البشرة إلى تجارة بمليارات الدولارات تُباع فيها السموم الكيميائية على أنها “أسرار جمال”

ورغم أن حركات التحرر في ستينيات القرن الماضي رفعت شعار “البشرة السمراء جميلة” لمواجهة الموروث الاستعماري، ظل اللون الفاتح يُروَّج له كرمز للجمال والقبول الاجتماعي، لترسَّخ هذه الفكرة في أذهان أجيال كاملة حتى اليوم

صناعة مليارية على حساب الأجساد

تشير تقارير مركز فاروس للدراسات الأفريقية إلى أن حجم سوق كريمات التفتيح بلغ 10.7 مليار دولار عام 2023، مع توقعات ببلوغه 18.1 مليار دولار بحلول 2033.

هذه الأرقام تعكس الطلب الكبير على منتجات تحتوي على مواد محظورة مثل:

الهيدروكينون: يثبط إنتاج الميلانين، لكنه يسبب سرطانات جلدية وتشوهات.

الكورتيكوستيرويدات: تؤدي إلى ترقق الجلد وضعف جهاز المناعة.

الزئبق: يرتبط بفشل كلوي واضطرابات عصبية خطيرة.

وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 40% من النساء في بعض الدول الإفريقية يستخدمن هذه المنتجات بانتظام، خصوصًا في نيجيريا، السنغال، وجنوب إفريقيا.

وجوه محطمة ونفوس مثقلة

في عيادة بمدينة جوهانسبرغ، تجلس أمينة، 32 عامًا، ودموعها لا تفارق وجهها وهي تقول:

“كنت أريد فقط أن أبدو أجمل في يوم زفافي… لكن الكريم الذي استخدمته حوّل وجهي إلى بقع سوداء وحمراء. لم أعد أجرؤ على الخروج من البيت”

أما ليليان، 27 عامًا من لاغوس، فقد خضعت لعدة جلسات علاج بالليزر بعد إصابتها بحروق جلدية، لكنها تؤكد:

“حتى لو شفي الجلد، فإن الندبة في نفسي لا تزول. أشعر أنني فقدت ثقتي بنفسي إلى الأبد”

تؤكد البروفيسورة نكوزا دلوفا من جامعة ويتواترسراند في جنوب إفريقيا:

“الأضرار لا يمكن محوها بسهولة. بعض المريضات يدخلن في اكتئاب شديد، بل إن بعضهن تراودهن أفكار انتحارية بسبب فقدانهن الثقة في شكلهن”

قوانين بلا أنياب وسوق سوداء مزدهرة

رغم أن دولًا مثل رواندا وغانا حظرت هذه المواد منذ أكثر من عقدين، فإن الرقابة الضعيفة وغياب البدائل الصحية جعلا السوق السوداء مزدهرة. تقارير محلية تؤكد أن بعض المنتجات تدخل القارة عبر طرق تهريب، وتباع في الأسواق الشعبية بلا ملصقات واضحة أو عبر الإنترنت بعبوات مزيّفة

وتشير دراسة في نيجيريا إلى أن 70% من منتجات التفتيح المباعة في الأسواق الشعبية غير مسجلة رسميًا، وغالبًا ما تحتوي على نسب عالية من الزئبق والهيدروكينون.

القضية أبعد من كونها أزمة صحية؛ فهي انعكاس لتمييز تاريخي متجذر. في بعض المجتمعات الإفريقية، ما زالت الفتاة ذات البشرة الداكنة تشعر أنها أقل حظًا في فرص الزواج أو العمل، بينما يُفضَّل أصحاب البشرة الأفتح في الإعلام والوظائف.

هذا التمييز، الذي رسخته عقود من الاستعمار والإعلانات التجارية، جعل ملايين النساء يقعن فريسة وهم أن “الجمال يعني التفتيح”.

معركة هوية وكرامة

يرى خبراء علم الاجتماع أن مواجهة الظاهرة تحتاج إلى خطة متكاملة:

تشريعات صارمة ضد الشركات المروجة.

حملات توعية تُعيد الاعتبار للبشرة الطبيعية

نماذج إعلامية إيجابية تُظهر جمال البشرة السمراء.

تقول الناشطة الكينية وانجوي نجوجي:

“الأمر ليس عن الكريمات فقط، بل عن استعادة كرامتنا كنساء إفريقيات. البشرة السمراء ليست عيبًا يحتاج للإخفاء، بل هي هوية يجب أن نفخر بها”

“الجمال السام” ليس مجرد وصف لمنتجات كيميائية، بل عنوان لمعركة عميقة بين الماضي الاستعماري والهوية الإفريقية المعاصرة. وبينما تواصل شركات عديمة الضمير جني الأرباح من آلام النساء، يبقى الأمل في وعي جماعي يعيد الاعتبار إلى ما حاول التاريخ تشويهه: أن البشرة السمراء ليست فقط جميلة، بل هي رمز للقوة والكرامة والاعتزاز بالذات.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.