ماكرون يقلب موازين التسلح النووي في أوروبا: الهدف حماية أم هيمنة؟

طموح فرنسا العسكري في أوروبا.. بين تعزيز النفوذ وتحديات الجيوسياسية

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن استعداده لبدء مناقشات بشأن الردع النووي الأوروبي، مشيرًا إلى أن باريس قد تمد حمايتها النووية إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي في ضوء التهديدات الأمنية المتزايدة، لا سيما مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. 

تحليل سياسي بقلم: ريهام طارق   

ويمثل هذا الإعلان “لحظة محورية”، في الدفاع الأوروبي، إذ يعكس رغبة باريس في تعزيز نفوذها الأمني والعسكري داخل القارة، في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة. 

فرنسا القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا:

تعتبر فرنسا، القوة النووية الوحيدة في الاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا بامتلاكها ترسانة استراتيجية متطورة تجعلها في موقع القيادة عندما يتعلق الأمر بالردع النووي، حيث حافظت فرنسا لعقود على عقيدة نووية مستقلة، تقوم على ثلاث ركائز أساسية تعرف باسم “الثالوث النووي“، وهي:  

الصواريخ الباليستية العابرة للقارات: التي تُطلق من الغواصات النووية من فئة “Triomphant”، والمسلحة بصواريخ “M51” القادرة على حمل رؤوس نووية متعددة.

القدرات الجوية: المتمثلة في صواريخ كروز “ASMP-A”، المحمولة على مقاتلات “Dassault Rafale”، وقاذفات “Mirage 2000N”، مما يضمن قدرة فرنسا على تنفيذ ضربات جوية دقيقة. 

الأنظمة البرية: التي تعتمد بشكل أساسي على القدرات النووية التي تطلقها الغواصات، نظرًا لعدم امتلاك فرنسا لصواريخ باليستية برية تقليدية، وتُعد الغواصات النووية العنصر الأكثر بقاءً في هذه المعادلة، حيث توفر قدرة على شن ضربة ثانية حتى في حال تعرض فرنسا لهجوم أولي، ما يجعل ردعها النووي ذا موثوقية عالية.  

اقرأ أيضاً: تعليق الدعم الأميركي لأوكرانيا.. تحول استراتيجي أم تمهيد لصفقة كبرى مع روسيا؟

الردع النووي الأوروبي: بين طموح ماكرون وتعقيدات المشهد الجيوسياسي  

لطالما اعتبرت الترسانة النووية الفرنسية ركيزة سيادية لحماية الأمن القومي لفرنسا، لكن تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة تعكس تحولًا استراتيجيًا نحو نهج أكثر تعاونًا، قد يُمهّد الطريق أمام تكامل أوسع للردع النووي داخل المنظومة الدفاعية الأوروبية. 

هذه الرؤية، رغم وجاهتها من منظور تعزيز الأمن الجماعي، إلا أنها تثير تساؤلات جوهرية حول السيادة النووية، التوازنات العسكرية، ومستقبل الاستقلالية الاستراتيجية للقارة العجوز.

فرنسا تتصدر المشهد: هل يصبح الردع النووي الأوروبي مستقلًا عن واشنطن؟  

يأتي هذا الطرح في وقت تواجه فيه أوروبا تحديات أمنية غير مسبوقة، لا سيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما دفع فرنسا إلى محاولة سد الفجوة الدفاعية وتعزيز موقعها كالقوة النووية الوحيدة داخل الاتحاد.

وفي ظل تحولات السياسة الخارجية الأمريكية، خاصةً ما يتعلق بتراجع التزام واشنطن المطلق بأمن القارة، تسعى باريس إلى إعادة صياغة معادلة الردع الأوروبي بشكل يقلل من الاعتماد على الولايات المتحدة.

انهيار وشيك أم حرب نفسية؟ الحقيقة الخفية وراء التحذير الإسرائيلي لمصر!  

لكن رغم الطموحات الفرنسية، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات معقدة، أبرزها:  

السيادة واتخاذ القرار: هل ستكون فرنسا مستعدة لمشاركة قرارات استخدام الردع النووي مع بقية الدول الأوروبية؟ أم ستظل هذه الترسانة خاضعة للقرار الفرنسي وحده؟ 

مخاوف الشركاء الأوروبيين: بعض دول الاتحاد، مثل ألمانيا، قد ترى في هذا التوجه تصعيدا غير محسوب يفوق التوترات مع روسيا بدلا من تحقيق الردع الفعال.  

العلاقة مع الناتو: في ظل استمرار الردع النووي الأمريكي عبر حلف شمال الأطلسي، يبرز تساؤل حول كيفية دمج أي مظلة نووية أوروبية مع استراتيجيات الحلف، دون خلق ازدواجية استراتيجية تضر بالتماسك الأمني الأوروبي.  

هل طموح ماكرون قادر على رسم ملامح قوة عظمى جديدة؟

حتى هذه اللحظة، يبدو أن مقترح ماكرون أقرب إلى مناورة سياسية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الردع ضد موسكو، وتعظيم الدور الفرنسي داخل المنظومة الدفاعية الأوروبية، أكثر من كونه خطة تنفيذية واضحة قابلة للتطبيق على المدى القريب، فحتى لو حظي هذا الطرح بتأييد أوروبي واسع، فإن ترجمته إلى واقع عملي تصطدم بتعقيدات قانونية و لوجستية، لضمان عدم تعارضه مع المعاهدات والالتزامات الدفاعية القائمة.  

وفي ضوء هذه المعطيات، يظل التساؤل الأكثر إلحاحا: هل تمتلك أوروبا الإرادة والقدرة للانتقال إلى نموذج دفاعي نووي مشترك، أم أن طموح ماكرون سيظل مجرد ورقة تفاوضية في لعبة التوازنات الجيوسياسية؟

الصحفيه ريهام طارق
الصحفيه ريهام طارق
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.