ما بين آنين وحنين وذكريات تلهينا عن حاضرنا ووجوهٌ لا ترحل ،حتى وإن غابت
بقلم / نولا رأفت
الذكريات ليست مجرد صورٍ قديمةٍ في عقولنا، بل هي نبض الحياة الذي يربط بين ما كنّا وما أصبحنا عليه.
هي الأثر الذي يتركه الماضي في ملامحنا، وفي كلماتنا، وحتى في صمتنا.
قد نغيّر الأماكن، ونرتدي وجوهًا جديدة، لكننا نظل نحمل في أعماقنا ما لا يُمحى: رائحة بيتٍ قديم، صوت ضحكةٍ بعيدة، أو نظرةٍ لم تكتمل.
الذكريات لا تموت… بل تنام فينا
الزمن لا يُلغي الذكريات، بل يخبّئها في زوايا القلب.
نظن أحيانًا أننا نسينا، حتى تأتي أغنية، أو صورة، أو مكان لتوقظ كل ما كان.
الذكريات تُشبه البحر: تبدو هادئةً من السطح، لكنها تخفي في أعماقها كل ما غرق ولم نودّعه كما يجب.
وللذكريات وجهان: أحدهما يؤلمنا لأنه يذكّرنا بما فقدنا، والآخر يبهجنا لأنه يمنحنا سببًا للابتسام وسط التعب.

لكن في الحالتين، لا تأتي الذكريات عبثًا؛ فهي مرآة تُعرّينا أمام أنفسنا، وتُذكّرنا بمن كُنّا، وبما غيّرته الأيام فينا.
الذكريات القاسية تُعلّمنا النضج، والجميلة تُبقينا على قيد الأمل.
أثر الذكريات في حاضرنا
نحن في الحقيقة مزيجٌ من ما عشناه، وما نتذكره، وما لم ننسه بعد.
قراراتنا، اختياراتنا، وحتى مخاوفنا، كثيرٌ منها وُلد من رحم الذكريات.
من مرّ بتجربة فقد، يعرف قيمة البقاء،
ومن ذاق الخذلان، صار يقدّر الصدق أكثر.
الذكريات تُعيد تشكيلنا بصمت، دون أن ننتبه، لكنها تترك بصمتها في كل ما نصبح عليه.
والمصالحة مع الماضي هي أول خطوات التعافي والراحة النفسية،
فهي التي تقودنا إلى التشافي الحقيقي.
المصالحة مع الماضي
لا يمكننا الهروب من الماضي، لكن يمكننا أن نتصالح معه.
أن ننظر إلى ما مضى دون غضب أو ندم، وأن نفهم أن كل ذكرى — مهما كانت مؤلمة — ساهمت في نحت ملامحنا اليوم.
الذاكرة ليست عبئًا، بل سجلّ حياةٍ يستحق الاحترام.
وحين تتعلّم أن ترى الجمال في ما فقدته، تتحرر من ثقل الذكريات وتحتفظ فقط بما يمنحك السلام.
الذكريات لا تطلب إذنًا لتزورنا، تأتي كما تشاء، في لحظة سكونٍ أو ازدحام.
لكننا نحن من نقرر:
هل نتركها تؤلمنا، أم نسمح لها بأن تُضيء لنا الطريق من جديد؟
فالذكريات ليست ماضينا فقط…
بل هي الجسر الذي يعيدنا إلى إنسانيتنا كل مرة.
يرحل الزمان، وتمضي السنين، وتبقى الذكريات…
فهي شيءٌ فوق الإرادة، وفوق القلب، وفوق المشاعر، ولهذا لا تُنسى،
تظلّ عالقةً على جدران القلوب.

