ما بين التاريخ والواقع وعمالقه الفكر !!
ما بين التاريخ والواقع وعمالقه الفكر !!
بقلم /إيمان سامى عباس

أتحدث عن مصر.. حديثنا يبعد عن كنا وكان.. أتحدث عن مصر في القلب والعقل والوجدان العربي.. بعيدًا عن مقارنات الثروة ومتغيرات الأوضاع والمصالح المؤقتة والأزمات القائمة.
وحين أتحدث عن مصر فإنني أتحدث عن البلد الذي لا يتوقف عن إنجاب الكبار.. الكبار في الفكر.. في الأدب.. في العلوم.. في الصناعة.. وفي التجارة وفي الرياضة.. وفي الفن.. بلد لم يكن يوما عقيما ولم يتوقف تاريخه عند العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وفاروق الباز وأحمد زويل. وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبدالوهاب.. بلد فيه كل الإبداعات وفيه كل القدرات والخبرات.. ومازال قادرا ومستمرا في العطاء.
ولكن البعض لا يعرف مصر.. ونحن كنا سببًا في ذلك لأننا وبغير قصد أهملنا الحديث عن كنوزنا.. وركزنا كل الأضواء بعيدًا عن ما نملكه من قامات وعمالقة في كل المجالات.. وصرنا نتحدث عن أغاني المهرجانات أكثر مما نتحدث عن المشروعات والإنجازات التي يتغير معها شكل مصر وواقع مصر.
وزاد من ضبابية الصورة أن الحوار كله يدور حول قضايا حياتية متغيرة وكأن لا اهتمام لدينا أو تطلعات إلا بأسعاراللحوم والبيض والزيت والدجاج. وكأننا قد اختزلنا كل حياتنا في الطعام ولا شيء آخر.
وصحيح أن الأمور الحياتية ومتطلباتها قضايا أساسية ولكنها أيضًا ليست كل القضايا ولا كل الاهتمامات.
* * *
وإذا كنا نرفض هذا التركيز المُبالغ فيه علي القضايا اليومية فلأننا نريد أن يعرف العالم أن هناك دولة تخرج من رحم المعاناة بقوة وثبات وقدرة وصمود.. دولة متوازنة محورية لم تفقد دورها الريادي والمصيري في المنطقة.. ودولة تقدم النموذج للقدرة علي التحول السريع في بناء الأمم لمواجهة المستقبل.
ويقينًا فنحن لا نملك الموارد اللازمة لتحقيق أحلامنا الوطنية. ولكننا وبكل الثقة نملك القدرات البشرية المؤهلة والقادرة علي العبور الآمن في مراحل التحديات المصيرية دون خطر علي البنيان الاجتماعي القوي للدولة المصرية.
وحين نتحدث عن قدراتنا وكنوزنا البشرية فإننا نشير إلي جيوش من العلماء.. وجيوش من الأطباء الذين علي سبيل المثال كانوا سندًا لبريطانيا العظمي في مواجهة جائحة كورونا.. وجيوش من المهندسين وجيوش من المعلمين وجيوش في كل المجالات لم نبخل بهم علي أحد ولم نضع قيودًا علي مشاركتهم مع أشقائهم في الدول العربية في تقديم الدعم والمشورة والعمل المشترك.
وهذه الكنوز البشرية هي تاريخ مصر.. هي مصدر القوة والشعور بالتميز. فالحضارة لا تأتي من فراغ. واليابان بعد الحرب العالمية الثانية خرجت من الحرب مهزومة ومنكسرة ولكن لأنها تملك الماضي وإرادة النجاح فإنها توجهت إلي الولايات المتحدة الأمريكية وإلي أوروبا لتدرس سر التفوق وتكنولوجيا العلم الحديث وعادت من هناك ليتفوق التلميذ علي الأستاذ في بناء أكبر وأهم حضارة صناعية واقتصادية متطورة.
ولأننا نملك الماضي.. ونملك الخبرات.. ونملك الإرادة فإنه بمقدورنا أن نكون وأن نستعيد بريقنا وقوتنا وأن نعيد اكتشاف أنفسنا من الداخل وأن نعيد تحديد الأولويات والضروريات.. وقبل ذلك كله أن نستعيد ذاكرة أيام التفوق بالتركيز علي قوتنا الناعمة في كل المجالات.. واكتبوا عن النجاحات في الجامعات.. في المستشفيات.. في المصانع.. في المزارع.. أعيدوا صورة مصر العظيمة بدلاً من الحديث في إبراز الحوادث الفردية الشاذة والتي كانت من قبل ممنوعة من النشر حتي لا تؤذي المشاعر وتشوه المجتمع.
* * *
وفي الحديث عن مصر العظيمة فإن الدكتور مجدي يعقوب يأتي رمزا مصريا خالصا في القدرة علي العطاء والإبداع والتفوق.. والرجل العالِم الذي عاد إلي وطنه في نهاية المطاف رافضا التقاعد ومُصرًا علي العمل وعلاج القلوب يقول لنا “الفرح والسعادة بيطولوا العمر.. واللي يحزن في شغله أو حياته ممكن يموت”.. وكلام الدكتور يعقوب يتماشي مع واقعنا فنحن نضحك ونسخر من أنفسنا ونعالج همومنا بالتنكيت والتبكيت.. وإحنا أولاد نكتة حتي في مناسبات العزاء.. إحنا حمينا أنفسنا بأنفسنا.. بالفول في الصباح والنكتة في المساء..!
* * *
والدكتور جاد القاضي رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية هو أيضًا ابن نكتة ونفي وقوع هزة أرضية في القاهرة الكبري قائلا “كل واحد دماغه لفت حبتين يقول زلزال”..! ويا ريتها يا دكتور تلف عشر حبات بدون أن يحدث فعلا زلزال.. خليها تلف أحسن..!
* * *
والفنانة شيرين رضا تقول “يوم ما أموت اعملوا حفلة.. مش عاوزة عزاء ولا عياط”..!! ولا تعليق في مناسبات العزاء..!!
* * *
ونترك كل القضايا ونتفرغ لما هو قادم بعد أن بدأنا شهر شعبان.. وحيث بدأ العد التنازلي لاستقبال شهر رمضان المبارك.. الشهر الفضيل الذي تختفي فيه الشياطين.. والشهر الذي يعيد تذكيرنا بكل معاني الخير والفضيلة.. الشهر الذي نشعر فيه ومعه بالراحة والسكينة وتتوهج مشاعرنا إلي عنان السماء.. والشهر الذي نتطلع فيه إلي الرحمة والغفران.. شهر القرآن والتوبة والاستغفار.. شهر بألف شهر.. واللهم أبلغنا رمضان واسعدنا برمضان واجعل أيامنا كلها بروح رمضان وتقوي رمضان.
