متى تحارب إسرائيل مصر؟ الحرب التى تخشاها تل ابيب وتتجنبها القاهرة
متى تحارب إسرائيل مصر؟ الحرب التى تخشاها تل ابيب وتتجنبها القاهرة
في سؤال كهذا، لا تكمن الخطورة في الاستفهام ذاته، بل فيما يخفيه من سيناريوهات حربية محتملة، وتحولات استراتيجية كبرى، وتحريض صامت لا يُعلَن.
بقلم الناقد والكاتب السياسي / د: عمر محفوظ
فإسرائيل – منذ قيامها – لا ترى مصر كما هي، بل كما ينبغي أن تكون: دولة محيدة، مكسورة الإرادة، محاصَرة في حدودها، بعيدة عن جوهر دورها العربي.
وحين نسأل: متى تحارب إسرائيل مصر؟ فإننا لا نبحث عن موعد في الروزنامة، بل عن ملامح مشروع، وإشارات خطة، ودلالات خطر. ذلك أن الحرب – في المفهوم الإسرائيلي – ليست فقط بالدبابات والطائرات، بل تبدأ بتجفيف منابع القوة، وتفتيت الجبهة الداخلية، وتزييف الوعي.
أولًا: خريطة الإدراك الإسرائيلي للمخاطر
في التقدير الإسرائيلي، مصر هي الخطر الأكبر حينما تتحول من “الكيان الجغرافي” إلى “الدور التاريخي”. حين تعود القاهرة لتكون عاصمة القرار العربي، وحين تتوحد إرادة الدولة والشعب حول مشروع وطني يتجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها تل أبيب وواشنطن معًا.
لقد خاضت إسرائيل ثلاث حروب كبرى ضد مصر – 1948، 1956، 1967 – ولم تنتصر استراتيجيًا إلا حين تم عزل مصر عربيًا وسياسيًا بعد اتفاق كامب ديفيد. واليوم، لا تنظر إسرائيل بعين القلق إلى الجيش المصري كقوة عسكرية فحسب، بل كرافعة ممكنة لمشروع نهضوي يعيد لمصر دورها في الصراع.
ثانيًا: أدوات الحرب قبل الرصاصة الأولى
إسرائيل لن تحارب مصر على طريقة “ضربة جوية أولى” كما في 1967، إلا إذا تبدلت المعادلة جذريًا. لكنها تمارس الآن، بل ومنذ عقود، حربًا مركبة، متعددة الأوجه، تشمل:
حرب الوعي: الإعلام الموجه، وشبكات التواصل، وضرب الثقة الشعبية بالمؤسسات.
الحرب الاقتصادية بالوكالة: تضييق الخناق على مصر من خلال التحالفات التجارية، وتوجيه الاستثمارات بعيدًا عنها.
التفكيك الإقليمي: دعم سيناريوهات التقسيم في ليبيا، السودان، غزة، من أجل محاصرة مصر بجبهات مشتعلة.
النفاذ إلى الداخل: من خلال ملف المياه، والضغوط في سيناء، ومحاولة التأثير على القرار السيادي من خلال شركاء دوليين.
ثالثًا: متى تتحول الحرب من باردة إلى ساخنة؟
إسرائيل قد تضطر – رغم تحفظها الاستراتيجي – إلى الذهاب إلى خيار الحرب حين تفشل كل أدوات الإضعاف الناعمة. والمحددات الأساسية التي قد تدفعها إلى التصعيد العسكري المباشر تشمل:
عودة مصر إلى قيادة محور عربي مقاوم، يُفشل المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في الإقليم.
نجاح مصر في بناء تحالف استراتيجي ثلاثي مع تركيا وإيران، يعيد التوازن لمنطقة شرق المتوسط.
تحول سيناء إلى قاعدة ارتكاز لمقاومة فلسطينية جديدة بتواطؤ شعبي أو رسمي.
تهديد مباشر لمصالح إسرائيل في البحر الأحمر أو قناة السويس، سواء تجاريًا أو عسكريًا.
رابعًا: الردع المصري الحقيقي
السؤال الأهم ليس متى تحارب إسرائيل مصر، بل: هل تجرؤ؟ الردع ليس سلاحًا فقط، بل إرادة سياسية وشعبية. لقد أثبتت مصر – عبر تاريخها – أنها تنهض دائمًا بعد كل انكسار، وأنها تعرف كيف تدير الصراع بأدوات السياسة حينًا، وبالرد العسكري حينًا آخر.
الجيش المصري اليوم لا يقف على الحدود ينتظر إنذارًا، بل يعمل وفق عقيدة استراتيجية عنوانها “منع الخطر قبل وقوعه”. ومفتاح الردع لا يكمن فقط في التسليح، بل في الوحدة الوطنية، واستقلال القرار، وتثبيت الهوية الحضارية.
ختاما:
الحرب القادمة – إن وقعت – لن تبدأ من الجو، بل من العقل. وإسرائيل تعرف أن مصر القوية، الواعية، المتماسكة، هي أكبر تهديد لمشروعها الصهيوني، حتى ولو لم تُطلق طلقة واحدة.
ولهذا، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح على طاولة السيادة المصرية هو:
كيف نحمي مصر من الحرب التي بدأت بالفعل؟!
لكنها في طورها الأخطر: الحرب على العقول.