مفهوم تعديل السلوك بمنظور أخر ” السهل الممتنع “

مفهوم تعديل السلوك بمنظور أخر ” السهل الممتنع “

بقلم : نسرين معتوق

تبدأ القصة عادة عندما يرصد أحد المتعاملين مع الطفل سلوك صادر عنه و يكون هذا السلوك غير مرغوب فيه ، و سواء كان هذا السلوك قول أو كان فعل ، و عندئذ يوصم الطفل بأنه طفل سيء السلوك و عليه يبدأ البحث عن أسلوب لتعامل مع الطفل لتقويم سلوكه .

و لكن دعونا أولاً نُعَّرِف السلوك ، قبل أن نتناول التعامل معه و كيفية تعديله .

– تعريف السلوك :

يُعَرَّف السلوك عموماً بأنه هو كل نشاط يصدر عن الإنسان سواء كان هذا النشاط أفعال يمكن رصدها ، كالأنشطة الحركية و الفسيولوجية أو كان نشاط غير مرصود مثل التفكير و التذكر مثلاً .
بينما يُعَرَّف السلوك في علم النفس بأنه مجموعة الأفعال التي يتفاعل بها الكائن الحي مع العالم الخارجي من حوله ، فهو الاستجابات التي تصدر من الفرد إتجاه المثيرات البيئية من حوله .
و بناء على ما سبق من تعريفات ( و للسلوك تعريفات عدة أخرى .. و ما ذكرت كان إجمالاً و ليس حصراً ) فإن السلوك يتضمن كل نشاط أو إستجابة مقبولة كانت أو غير مقبولة .
و هنا بالنسبة لي ( كأحد المتعاملين بشكل مباشر مع الأطفال ) و لأي متخصص في مجال التربية .. هو مربط الفرس .
لأن تصنيف الطفل ( و أحدد الطفل ) بأنه طفل سيء السلوك ، و تعميم الوصف عليه بصفة الإطلاق بسبب سلوك ما غير لائق أو غير مرغوب فيه صادر عنه ، يعد من وجهة نظري خطأ كبير و ظلم كبير يقع على طفل مازال في طور التعلم و مازال لم يميز بين الصواب و الخطأ .
خاصة إذا ما أخذنا في عين الاعتبار بأنه كطفل يكتسب سلوكه من البيئة التي من حوله ، و يستخدم ما يكتسبه منها دون تمييز ثم يترجمه في تصرفات إيجابية كانت أو سلبية .
بمعنى أبسط .. فإن أي سلوك للطفل هو عبارة عن مجموع إستجابات لمؤثرات البيئة من حوله ، و لأنه كائن يتعلم من خلال التقليد ، فإنه يعكس كل ما يدور حوله و يترجمه في صور سلوكية مختلفة إيجابية و سلبية و دون تمييز تام منه .

– لا يجب إغفال أن للطفل الصادر منه السلوك السلبي لديه سلوكيات أخرى و هي إيجابية :

نسبة ليست ببسيطة من المتعاملين مع الطفل ( الوالدين أو التربويين على السواء ) يقعون في خطأ تعميم التصنيف ، حيث ينسحب تصنيف السلوك السيء ليوصم بيه الطفل نفسه و عليه يصبح الطفل طفل سيء السلوك ، و ذلك نتيجة للالتفات للسلوك السلبي وحده ( رغم أنه عَرَض ) دون الأخذ بسلوكيات أخرى هي إيجابية و صادرة عن نفس الطفل و لكن لم يلتفت لها ، لأن أغلبنا لا يلتفت إلا لأجراس المشكلة و لا يتعامل مع المشهد ككل بموضوعية تفترض وجود السلبي و الإيجابي معاً و في نفس المشهد .
تلك الرؤية بالتحديد و ذلك المفهوم هو ما يجب أن يتقدم ليأخذ الصدارة اللازمة عند التعامل مع مشكلة طفل يحتاج إلى تعديل السلوك .

– تعديل السلوك يبدأ بما يسبق السلوك نفسه :

كثيرون أيضاً من المتعاملين مع الطفل عند تعديل السلوك يقعون في خطأ التعامل مع السلوك الغير مرغوب فيه ( رغم أنه العَرَض ) دون الالتفات لما هو قبل حدوث السلوك ( المؤثر أو المثير ) و الذي حدث في البيئة التي كان فيها الطفل ، و دفعه ليتصرف بهذه الصورة و بذلك النحو .
و هذا الخطأ بالتحديد هو المتسبب الرئيسي في فشل الكثير من جلسات تعديل السلوك .

– تحليل السلوك قبل تعديله :

تعديل السلوك السليم يبدأ من تجفيف منابع السلوك غير المرغوب فيه قبل التعامل مع السلوك نفسه ( العَرَض ) .

و لتحليل السلوك فإننا نقسم المشهد إلى ثلاث أقسام :
القسم الأول يكون لما حدث قبل أن يصدر السلوك السلبي من الطفل .

أما القسم الثاني فيكون لسلوك نفسه ، أما القسم الثالث و الأخير فيكون لرد فعلنا نحن إتجاه ما صدر من الطفل من سلوك .
و في تقديري فإن ما حدث مباشرة قبل أن يصدر السلوك السلبي من الطفل لا يقل أهمية أبداً عن السلوك نفسه.

إن لم يكن أكثر أهمية منه و على ذلك يكون هو الأولى بالتعامل معه .
أما بالنسبة للقسم الثالث و الأخير و الذي هو رد فعلنا إتجاه الطفل بعد صدور السلوك منه ، فإنه هنا يأتي دور طرق التعديل و التي تستخدم و بالتدرج لتتوافق مع السلوك المراد تعديله .

– أهم طرق تعديل السلوك :

* تعزيز السلوك الإيجابي : و هو أهم طرق تعديل السلوك غير المباشرة ، لأنها تحفز الطفل على تحسين سلوكه بصفة عامة .
* التحدث مع الطفل و احتواءه : بحيث نبني معه علاقة قوية تشعره بالأمان .
* التجاهل : فلا يجب أبداً وضع كل سلوك و إن كان سلبي صادر من الطفل تحت المجهر ، و التجاهل في بعض المواقف يكون أفضل بكثير من تسليط الضوء الزائد و الذي قد يأتي بنتائج عكسية و غير مرغوب فيها .
* النصح قبل العقاب و إن كان و لابد من إستخدام العقاب فإنه يستبعد تماماً العقاب البدني أو اللفظي ، فأنت تُقوم سلوك و بالتالي لا يجب أبداً أن تؤذي جسدياً أو نفسياً .

مع الأخذ في الاعتبار أننا لا نتوقف أبداً عن المناقشة مع الطفل و محاولة فهم سبب إستخدامه لذلك السلوك ، مع التحلى بقدر كبير من الصبر و المثابرة معاً و بالتأكيد فإننا سنصل لنتائج إيجابية و لو بالتدريج .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.