وائل جنيدى يكتب…قِيمَةِ وَقُدْسِيَّةِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ
قِيمَةِ وَقُدْسِيَّةِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ
وائل جنيدى
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
لَمْ يَكُنْ فِي تَارِيخِ الْأَدْيَانِ مَنْذُ دُخُولِ عُلُومِ الْكَلَامِ وَمَقَارَنَةِ الْأَدْيَانِ، أَي خِلَاف حَوْلَ قِيمَةِ وَقُدْسِيَّةِ السَّيِّدَةِ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامْ، فَهِيَ قِدِيسَة فِي إعْتِقَادِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ أَيْضًا سَيِّدَةٌ مِنْ سَيِّدَاتِ الْجَنَّةِ الْمَعْدُودَاتِ فِي الِاعْتِقَادِ الْإسْلَامِيَّ.
وَلَمْ تَكُنْ لقُدسِيةِ السَّيِّدَةِ مَرْيَمَ كَأُمٍ لِلسَّيِّدِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامْ، وَهِيَ الْأُمُّ الْبَتُولُ الْعَذْرَاءُ الْوَحِيدَةُ وَالْمَشْهُودُ لَهَا بِالطَّهَارَةِ فِي نُصُوصِ الْقُرْآنِ الْمُقَدَّسَةِ، حَيْثُ قَالَتْ: كَيْفَ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ، وَكَلِمَة لَمْ يَمْسَسْنِي هُنَا لَهَا مَدْلُولَاتٍ كَبِيرَةٍ؛ فَهِيَ لَيْسَتْ فَقَطْ عَذْرَاءٌ طَاهِرَةٌ إِنَّمَا هِيَ أَقْدَسُ وَأَوْرَعُ مِنْ مُجَرَّدِ أَنْ يَمَسَّهَا الْبَشَر مُجَرَّدِ الْمَسَاسِ.
وَحَيْثُ كَثُرَتْ فِي الْقَرْنِ الْمُنْصَرِمِ مَا يُسَمَّىٰ بِالتَّجَلِّياتِ لِلسَّيِّدَةِ الْعَذْرَاءِ، أَيْ ظُهُورِهَا عَيَانًا بَيَانًا أَمَامَ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ فَلَمْ يَكُنْ لَدَىٰ جُمُوعِ الْمُسْلِمِينَ اعْتِرَاضٌ عَلَىٰ احْتِمَالِيَّةِ ذَلِكَ لِأَسْبَابٍ عِدَّه.
أَولًا لِإيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ بِقُدْسِيَّةِ الْعَذْرَاءِ، وَثَانِيًا لِإيْمَانِهِمْ أَيْضًا بِالْخَوَارِقِ مِنْ مُعْجِزَاتٍ وَكَرَامَاتٍ لَا تَرْتَبِطُ فَقَطْ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء، ولكِن أيضًا لِبَعْضِ الصَّالِحِينَ ثِقَةٌ فِي أنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَنَّ يَخْرِقَ نَامُوسَ الْكَوْنِ وَيَجْعَلُ الْمُعْجِزَاتِ مُمْكِنَه.
وَأقَوْلُ هُنَّا وَأَنَا لَسْتُ مِنْ الْمُتَخَصِّصِينَ فِي هَذَا الأَمْرِ، إِن الْخِلَافَ الْوَحِيدُ تَقْرِيبًا أَوْ الْأَكْبَر بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ هُوَ لَيْسَ مِيلَادِ السَّيِّد الْمَسِيح وَلَا حَيَاتِهِ وَلَا رِسَالَتِهِ، ولَكِنَّ الْخِلَافَ كَانَ فِي صَلْبِهِ وَقِيَامَتِهِ.
فَقَد اسْتَقَرَّت عَقِيدَة الْمَسِيحِيِينَ عَلَىٰ تَأْكِيدِ صَلَبِ الْمَسِيحِ، وَكَانَ كَلَام الْقُرْآنِ أَنَّهُمْ مَا صَلَبُوهُ يَقِينًا إِنَّمَا رَفَعَهُ اللّٰهُ إِلَيْهِ وَعَلَىٰ هَذَا فَقَدْ شُبَّهَ لَهُمْ، كَذَلِكَ الْقِدِّيسِينَ وَالصَّالِحِينَ مِنْ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِين بِرِسَالَةِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَام، وَتَلَامِيذِهِ الَّذِينَ عَاصَرُوهُ وَتَلْقُوا العِلَم مِنهُ مُبَاشَرة بِلَا وَسَيُطْ وَقَدْ غَمَرَتْهُمْ أَنْوَارِهِ وَشَمِلَتْهُمْ بَرَكَتِهِ؛ وَرُبَّمَا نَجْدُ مِنْ الطَائِفةِ الْمَسِيحِيَّةِ مَنْ هُمْ أَشَدُّ تَطْرَفًا فِي نَظَرِهِمْ لِلسَّيِّدَةِ الْعَذْرَاءِ عَلَيْهَا السَّلَام، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ مَوْضُوعنَا فِي هَذَا الْمَقَال.
وَلَعَلَّ مَنْ يَقْرَأُ القُرَآنِ الْكَرِيمِ، يَجِدُ فِيهِ نَظرَةٍ شَامِلةٍ شَافِيَةٍ لَا تَقْبَلُ اللبسِ عَنْ قِيمَةِ السَّيِّدَةِ الْعَذْرَاءِ فِي الْفِكْرِ وَالْعَقِيدَةِ الْإِسلَامِيَّةِ،
وَهُنَا وَجَبَ التَّنْوِيهِ إِلَىٰ أَنْ بَعْضَ الْخَوَارِقِ وَالتِي لَا نَسْتَبْعِدهَا قَدْ لا تَكُون كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ، فَكَمْ مِنْ كَرَامَاتٍ لبَعْضٍ مِنْ مَنْ يَدَّعُون الْوِلَايَة مِنْ الْمُسْلِمِين مَا هِيَ إِلَّا كَذِب.
وَكَذَلِكَ هُنَاكَ بَعْضُ الْمُعْجِزَاتِ فِي الْمَسِيحِيَّةِ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ سِوَىٰ خِدَاعٌ وَتَضْلِيلٌ،
كَمَا ثَبُتَ فِي الْكَثِيرِ مِنْ دُوَلِ الْعَالَمِ عَنْ أَيَقُونَاتٍ وَتَمَاثِيلٍ صَارَتْ مَزَارَاتٍ مُقَدَّسَةٍ بَعْضُهَا يَبْكِي وَبَعْضُهَا يَصْدُرُ أَصْوَاتًا وَبَعْضُهَا يَتَحَرَّك لَيْلًا أَوْ تَتَغَيَّرَ مَلَامِحُهُ، هذه لَمْ تَكُنْ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا أَعْمَالِ نَصَّبٍ لِلتَّكَسُّبِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ.
والْخُلَاصَة أَن الْخَوَارِق التِي تَحْدُثُ فِي أَيِ دِيْنٍ لَيْسَتْ بِالضَّرُورَةِ حَقِيقَه وَأيضًا لَيْسَت كُلُّهَا افْتَرَاءَاتٍ وَتَضْلِيل، لكِنْ الْعَينُ النَّاقِدَةُ وَالنَّفْسِ السَّوِيَّةِ يُمْكِنُهَا اسْتِشْعَار الْبَرَكَاتِ الْحَقِيقِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الصُنْعِ الإلهِي وَالتَّفْرِقَةِ بَيْنِهِ وَبَيْنَ أَجهِزةِ الْعَرَضِ الثُّلَاثِيِّ الْأبْعَادِ،
وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَنَسْأَلُ اللَّه أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقًّا وَيَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَأنْ يُرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلًا وَيَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ،
وَالسَّلَامُ.
اقرء ايضا:
رَفِيقٌ رَسمِيّ يكتب…هَلْ عِيسىٰ ابنُ مَرَيَمَ حَيٌّ فِي السَّمَاءِ الآن؟