وطن بنكهة أوراق النعناع

الكاتبة: شيماء حجازي

وددت يوما أن أزور جدتي في البلدة ، وأحتسي معها كوبا ساخنا من الشاي
يتراقص بداخله أوراق النعناع الخضراء مع حبيبات الشاي !! وأنا أطيل النظر اليهم وأنصت لجدتي
متلهفا لحديثها وحكاياتها الشيقة ، ولحبات المطر التي تغسل وجه السماء وتطرق نافذة قلبي
بعد طول انتظار تدق أجراس الشتاء الملثم ملتحفا بالسواد مليئا بالغمام المبشر بالرحمات !!
فسرعان ما نختبئ بأحضان الجدات ، تحكي لنا أقصوصة !! تطهي لنا الطعام الشهي
والحساء الذي يسبقه الحنان والدلال ، في المساء تشعل لنا القناديل والمواقد ،
فتأخذني قطرات الماء المتساقطة على النافذة وكأنها تعزف سيمفونية حبا وشوقا للذكريات
فأنا مازلت أتذكر يوم انسكب الشاي على يدي وأتساءل كيف للأشياء التى نحبها بشدة أن تؤذينا إلى هذا الحد ؟!
ولكنها تركت أثرا عميقا بنفسي لأننا أفرطنا التعلق بها فكان منها أن تؤلمنا لتعلمنا!
في اليوم التالي استيقظت باكرا وأشعة الشمس تغازل أوراق النعناع الخضراء التى زرعتها جدتي
ورائحتها الذكية التي تملأ كل أركان البيت وكأنني في حديقة غناء وأسمع صوت يطرب أذني فيروز تدندن
في الصباح !!، وأرى عربة تحمل حزم النعناع !! تعطر الأرواح قبل الطرقات فرائحتها سابحة في عالم الجمال
لايضاهيها سحر ولا تكسر أعوادها الأحزان عبيرها مبهج يحتضنها وطن اعتدت فيه الأمان،
تهب فيه نسائم الياسمين وكأن الربيع آتى على غير موعده !؟،
وبين أنا شارد تخطف أنظاري فتاة ينساب شعرها كذيلة نجمة في السماء ، تنظر بخجلا واستحياء !!
أعجبت حقا من دلالها وسحر عيونها الجذاب وفي الوقت ذاته تنادي جدتي علي ،
تلتهم الحيرة قلبي هل سأغادر المكان أم أبقى واقفا أنظر اليها ؟! بعد ان أنهكت جدتي بالنداء ،
وكأني أصيبت بالصمم ولا أشعر بوجود أحد سواها !؟ غضبت جدتي مني غضبا شديدا لكنها المرة الأولى
التى لم أستجب لجدتي لندائها !؟ رأيتها تقف عند العربة المتهالكة التى تحمل حزم النعناع الأخضر،
أسرعت مهرولا وذهبت اليها وألقيت عليها السلام ، فتبسمت وكأن القمر يبتسم في السماء ؟!
أردت من بائع النعناع ربطتين من النعناع لأظل قريبا من هذا الجمال ، الذى جذبني دون استئذان !!
فسألتها هل أنت من هذه البلده ؟! فأجابتني والدهشة تملؤها ؟! أجل
ويقطع حديثي معاها بائع النعناع!! ووجهه يظهر عليه علامات الغضب وعيناه شديدة الاحمرار ؟!
ظنا منه أنى أغازلها ؟
فقال لي : ماذا تريد من هذه الفتاه ؟؟
قلت له : ماذا يريد المرء بعد أن اكتمل رشده واشتد عضده وصدقت نيته وارتضيت الزواج !!
فتبسم بائع النعناع وقال : انها ابنتي
أخذتني في نفسي الدهشة والاستغراب قليلا ؟!
وقلت له ما أجمل أن يجمعنا قلب ووطن وعربة النعناع ؟!
وهنا تذكرت جدتي وكوب الشاي .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.