أحمد عبد الصبور : ثورة يوليه أثرت بشكل كبير جداً على الفن

صمؤيل نبيل

 

 

إستضاف برنامج ” واحة الفنون ” على قناة النيل الثقافية الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” مع الإعلامي ” حسن الشاذلي ” ، وحلقة عن ذكرى ثورة 23 يوليه 1952 م … ورصد العلاقة بين ثورة يوليه والسينما المصرية .

 

وتحدث الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

 

مع ذكرى الـ 23 من يوليو 1952 م ، يثار في مصر جدل واسع حول ماهية ” حركة الضباط الأحرار ” ، والتي إندفعت بدعم من حراك شعبي واسع إلى ” ثورة ” خلّدتها السينما المصرية في مواقف عديدة ، فهل أنصفت السينما هذا الحدث المصري الأهم في تاريخ مصر المعاصر ، أم تحاملت عليه ؟

 

أفلام عدة تعرضت لثورة يوليه ، لكن تختلف الآراء حولها بين مؤيد ومعارض ، حيث جسّدت الثورة بطريقة قد لا ترضي جميع الأطراف أو لا تقدم المعلومات الكافية التي تحتاجها الأجيال المتعاقبة لفهم أهداف ومعالم ونجوم وأبطال وعيوب ومساوئ تلك الثورة ، وقيل إن معظم الأفلام والأعمال التي قدمت عن الحدث كانت أقل منه ، أو ربما ليست على مستواه .

 

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

هناك نوعان من الأفلام ، أحدها عبّر عن الثورة وأهدافها بصورة إيجابية ، مثل فيلم ” الباب المفتوح ” لـ ” فاتن حمامة ” و ” صالح سليم ” ، وفيلم ” بورسعيد ” لـ ” فريد شوقي ” و ” هدى سلطان ” ، وفيلم ” الأيدي الناعمة ” لـ ” أحمد مظهر ” و ” صباح ” و ” صلاح ذو الفقار ” ، وفيلم ” الحقيقة العارية ” لـ ” ماجدة ” و ” إيهاب نافع ” ، وفيلم ” رد قلبي ” لـ ” شكري سرحان ” و ” مريم فخر الدين ” ، وفيلم ” الله معنا ” لـ ” عماد حمدي ” و ” فاتن حمامة ” و ” شكري سرحان ” و ” حسين رياض ” .

 

وعبّرت أفلام أخرى بشكل غير مباشر عن دعمها للثورة بإبراز سلبيات العصر الملكي ، مثل أفلام : ” غروب وشروق ” ، و ” القاهرة 30 ” ، و ” بداية ونهاية ” ، و ” في بيتنا رجل ” .

 

وكانت الأفلام التي على خلاف مع الثورة أو قدّمت بعض مساوئها قليلة ، وركز معظمها على مراكز القوى والإعتقالات والتعذيب في السجون وضحايا بعض الممارسات القمعية التي تعرض لها مواطنون في بعض الأحيان ، ومن أهم هذه الأفلام : ” الكرنك ” ، و ” إحنا بتوع الأتوبيس ” .

 

 

وأشار ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :

أثرت الثورة كثيراً على كل نواحي الفن من إذاعة إلى تلفزيون إلى سينما …

 

وتحدث الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” عن هذا التأثير ، قائلاً :

” كانت الإذاعة المصرية هدف الثورة الأول ، فمنذ بداية الثورة ومنذ أول صباح لها إقتحم ” أنور السادات ” أحد الضباط الأحرار مبنى الإذاعة الذي حاصرته رجال القوات المسلحة ، وقابل المذيع ” فهمي عمر ” لإذاعة البيان الأول للثورة ، حيث كانت الإذاعة وسيلة التواصل الأولى مع الجمهور ، فلم يكن التليفزيون قد أنشئ وقتها ، وللأسف تم تعيين ضابط بالإذاعة للسيطرة على كل ما يذاع وعين في موقع ( رئيس أركان الإذاعة ) ، وللأسف إتُّخذ قرار بمنع أغاني ” أم كلثوم ” و ” محمد عبد الوهاب ” لأنهما كانا محسوبين على الملك ” فاروق ” ، وغنيا بإسمه ، ولكن ” جمال عبد الناصر ” ألغى هذا القرار وأعاد أغانيهما في وقت لاحق ” .

 

 

ويتابع ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً : ” بعد قيام ثورة يوليه بأربعين يوماً ، أصدر الرئيس المصري وقتها ” محمد نجيب ” بياناً لإحكام قبضة الدولة على الفن ، وكان عنوان البيان « الفن الذي نريده » ، وجاء في البيان أن السينما وسيلة من وسائل التثقيف والترفيه ، وعلينا أن ندرك ذلك ، لأنه إذا ما أُسيئ إستخدامها فإننا سنهوي بأنفسنا إلى الحضيض وتدفع بالشباب للهاوية ، فلا يوجد فيلم إلا وأُقحِمَت فيه راقصة ، وهذا كان يليق بالعهود البائدة ولكنه لا يليق بمصر الثورة ” .

 

وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً : ” بيانات الرئيس ” محمد نجيب ” بخصوص الفن أثارت جدلاً كبيراً ، ولكن أغلب السينمائيين صمتوا وجاملوا السلطة وبدأت لقاءات السلطة مع السينمائيين تتعدد ومعظمهم يواصل الترحيب أو النفاق ، ولم يعترض على رؤية الضباط الأحرار للسينما سوى القلة القليلة من المخرجين ، ومنهم : ” أحمد بدرخان ” و ” محمد كريم ” و ” حسن رمزي ” ، وإعترض البعض على بيان ” محمد نجيب ” بقوله : ” نحن شعب مرح وليس معنى الثورة أن ننتج أفلاماً حزينة ” .

 

ويوضح ” أحمد عبد الصبور ” : ” في الوقت الذي حاربت فيه الثورة بعض النوعيات من الأفلام ، دعمت أفلاماً ونجوماً آخرين بهدف تقديم دعوة أو تدعيم هدف معين ، حيث ساندت إنتاج أفلام يلعب بطولتها النجم الكوميدي ” إسماعيل ياسين ” ، مثل : ” إسماعيل ياسين في الجيش ” ، ثم ” إسماعيل ياسين في الأسطول ” ، و ” إسماعيل ياسين في الطيران ” ، وكان هدف هذه الأفلام حث الشباب على الإلتحاق بالأسلحة الوطنية ” .

 

ويقول ” أحمد عبد الصبور ” : ” شهد الفن بداية من الأفيش السينمائي وحتى المحتوى الدرامي تأثراً كبيراً بالثورة ورجالها ، فمثلاً بعض الأفلام التي كان يتم تصويرها تغيرت أسماؤها لمواكبة الثورة ، وهناك بعض صناع السينما كانوا يكتبون تأييدهم للجيش على أفيش العمل السينمائي ، والبعض الآخر كان يقحم أغنيات أو مونولوجات في الأفلام مجاملة للثورة والسلطة والضباط الأحرار ” .

 

وأشار ” أحمد عبد الصبور ” إلى أنه ” على مستوى الغناء كان هناك مجاملة كبيرة جداً تحدث على معظم المستويات ، ومعظم المطربين تسابقوا إلى الغناء للثورة والغناء بإسم ” جمال عبد الناصر ” في كل حفل ، لدرجة أن الأمور زادت عن حدّها ورفض ” جمال عبد الناصر ” ذلك ، وطلب منع المطربين من التغني بإسمه ، لكنهم لم ينفذوا ما طلبه وظلوا يغنون بإسمه ” .

 

وأوضح ” أحمد عبد الصبور ” أن ” الأفلام التي حاولت تصوير وتوثيق الثورة بشكل تاريخي أو فني قابلت العديد من الأزمات والمحاذير ، مما عرقل إنتاج فيلم كامل ومحكم وعادل ، ومن هذه المحاذير عدم التطرق لشخصية ” محمد نجيب ” ، وتم التشديد على ذلك لدرجة أن شخصيته حذفت من بعض الأفلام منها فيلم ( الله معنا ) ” .

 

ويلفت ” أحمد عبد الصبور ” إلى أنه ” بعد هزيمة 1967 رفع الرئيس ” جمال عبد الناصر ” سقف الحرية وطلب زيادة هامش النقد الموجه له لإمتصاص غضب الناس بعض الشيء ، ولهذا سمح بعرض فيلم ( شيء من الخوف ) ، الذي قيل إنه إسقاط سياسي على ” جمال عبد الناصر ” نفسه ، وتم رفضه من الرقابة تماماً خوفاً من غضب الرئيس ، لكن ” جمال عبد الناصر ” تقبّل النقد وسمح بنفسه بعرض الفيلم ” .

 

وإختتم ” أحمد عبد الصبور ” حديثه عن أفلام ثورة يوليه وأثر الثورات في الفن بقوله ” شهدت مصر ثورات عديدة ، منها 23 يوليه 1952 م ، وثورة التصحيح في عام 1971 م التي أطلقها الرئيس ” محمد أنور السادات ” لتصحيح أخطاء ثورة 23 يوليه … وفي العصر الحالي شهدت مصر ثورة 25 يناير ثم ثورة 30 يونيه ، وحتى الآن لم تفلح السينما أو الوسائل الفنية عموماً في رصد وتوثيق أي من هذه الثورات في عمل فني متكامل وعادل وشامل وحقيقي … كلها محاولات من قريب أو بعيد لكنها لا تليق بالثورات ، ولم تكن على مستوى الحدث ” .

 

وإستطرد الناقد والمؤرخ الفني ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً : إنه ” لا يوجد عمل فني يمكن أن يمثل ثورة 23 يوليه تماماً ، سواء بالسلب أو بالإيجاب ، فكل الأعمال طغت عليها إما نزعة الحماس الشديد للثورة ، أو موقف مناهض لها ويتم التعبير عنه بطريق الإسقاط السياسي ” .

 

ويضيف قائلاً : ” الأفلام التي إحتفت بالثورة وساندتها كثيرة ، مثل : ( رد قلبي ) ، و( الأيدي الناعمة ) و ( في بيتنا رجل ) وغيرها من الأعمال المهمة في تاريخ السينما ، بينما أعمال أخرى إستخدمت الرمزية في نقد الثورة ، مثل فيلم ( شيء من الخوف ) للنجمة ” شادية ” والعملاق ” محمود مرسي ” ، ورغم حساسية الموقف وخطورته تم عرض الفيلم رغم نقده الواضح لشخصية ” جمال عبد الناصر ” … أما مساوئ الثورة والتي تمثل بعضها في السجون والمعتقلات فأبدع فيها فيلم ( الكرنك ) و ( إحنا بتوع الأتوبيس ) ، ورغم السواد الدرامي الكامل في هذه الأعمال لكن على مستوى الصورة والدراما والسينما هي من أروع الأفلام ” .

 

ويوضح ” أحمد عبد الصبور ” : ” سيبقى السؤال الأهم هو لماذا لم تستطع السينما أو الدراما أو حتى الأغاني تقديم عمل فني متفق عليه تماماً يخصّ الثورة ، والإجابة أن المحاذير والمجاملات والمعارضات دائماً ما تطيح أي عمل صحيح ومنطقي ومتكامل ، ولهذا من الصعب الحكم على أي فيلم بأنه جيد أو سيئ ، ظالم أو عادل ، فالأمر أعقد من ذلك ، لكن الإتفاق الوحيد في الحكم على الفن بعد ثورة يوليه هو أن هذه الثورة أثرت بشكل كبير جداً على الفن ، وحاولت تغيير سياقه في بعض الأحيان وتعديل موضوعاته من وجهة نظرها وإستخدام كافة الفنون لخدمة القوى الوطنية وأسلحة الدولة التي تدعم الموقف الأمني والسياسي وتحمّس المجتمع على دعم الثورة ورجالها ، ومن ناحية أخرى أستخدم الفن كوسيلة للتخويف والتشويه لكل النظام الملكي الراحل ومعارضي الثورة ” .

 

لمشاهدة الحلقة :

أحمد عبد الصبور
أحمد عبد الصبور

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.