اسرائيل تبيد غزة: والصمت الدولي يمنحها الضوء الأخضر

توقف خدمات الدفاع المدني خلال 72 ساعة القادمة يشكل كارثة إنسانية وشيكة

تُباد غزة والعالم يشاهد وحرب إسرائيلية بلا خطوط حمراء.. في مشهد دموي بطلة الصمت الدولي الذي بات معتادا، ارتفعت حصيلة القتلى الفلسطينيين في قطاع غزة خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية إلى 200 شهيدًا.

بقلم: ريهام طارق 

غزة تحترق تحت القصف.. و أطفالها يموتون عطشا في بئر ماء

تتواصل الغارات الإسرائيلية هجومها على قطاع غزة في مشهد يعكس وحشية غير مسبوقة، بلا تمييز بين طفل وشيخ، بين منزل آمن وتجمع مدني، في عدوان يتجاوز كونه عمليات عسكرية إلى ما يرقى وصف “الإبادة الجماعية” الممنهجة، القصف الأخير الذي طال منزل عائلة “أبو الروس”، واستهداف مدنيين أثناء حفرهم لبئر مياه في حي الصفطاوي شمال غزة، يجسد بوضوح أن الآلة العسكرية الإسرائيلية باتت تفتك بأرواح الأبرياء دون رادع من قانون أو وازع من ضمير.

اقرأ أيضاً: قمة بغداد .. تونس تعلن رفضها القاطع لكل المحاولات الرامية لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة.

في سياقٍ أوسع، لا يمكن النظر إلى هذه التطورات المتسارعة بمعزل عن الإطار السياسي والاستراتيجي الأكبر الذي يحكم مسار العدوان على غزة منذ ما يزيد عن 19 شهرًا، فالهجمات الإسرائيلية الأخيرة، والتي ترافقت مع اجتياح بري جديد مساء أمس الأحد، تمثل مرحلة تصعيدية نوعية، تؤشر إلى تحوّل محتمل في قواعد الاشتباك، وانتقال الاحتلال من استراتيجية “الضغط بالنار” إلى ما يشبه “حرب استنزاف شاملة” تستهدف بنية القطاع التحتية والاجتماعية معًا.

اقرأ أيضاً: الكيان الإسرائيلي نفذ “ضربات مكثفة” على غزة،  في إطار المراحل الأولية لهجوم جديد

الماء صار هدفا للصواريخ: إسرائيل تقصف الحياة في غزة قطرة قطرة

ليس من باب المصادفة أن توجه الغارات الإسرائيلية نحو آبار المياه في قطاع غزة، ذلك الشريط المحاصر الذي يعاني تحت وطأة شح حاد في الموارد وغياب شبه كامل للخدمات الأساسية، استهداف المدنيين أثناء حفرهم لبئر مياه لا يمكن قراءته خارج إطار الشكوك الجدية بشأن تعمد الاحتلال استخدام سلاح العطش والتجويع كأداة عقاب جماعي، في خرق صارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان التي تحظر استهداف مقومات الحياة المدنية تحت أي ظرف.

اقرأ أيضاً: البورصة المصرية تشارك في مؤتمر اتحاد أسواق المال بتونس

الوقود ينفد والجثث تبقى تحت الركام: 

وفي هذا السياق، جاء تصريح المتحدث باسم الدفاع المدني، محمود بصل، في غزة، بالغ الخطورة، إذ أشار إلى أن نحو 75% من مركبات الدفاع المدني أصبحت خارج الخدمة نتيجة لنفاد الوقود، هذه ليست مجرد أزمة تشغيلية عابرة، بل تجلٍ صارخ لحصار ممنهج يخنق القطاع ويقوض قدرته على أداء أبسط مهامه الإنسانية، من إنقاذ الجرحى إلى انتشال جثث الضحايا من تحت الركام، في مشهد يعكس انهيار متعمداً للبنية المدنية تحت ضغط العدوان و سياسات العقاب الجماعي.

توقف خدمات الدفاع المدني خلال 72 ساعة القادمة يشكل كارثة إنسانية وشيكة:

لم يعد الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنوات سياسة عقابية مؤقتة فحسب، بل أصبح ركيزة أساسية ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة في إدارة ملف القطاع، إذ تدرك إسرائيل أن تفكيك البنية الاجتماعية لغزة لا يتحقق فقط عبر القصف العسكري المباشر، بل أيضًا من خلال استنزاف السكان نفسيًا واجتماعيًا وتجريدهم من أبسط مقومات الحياة الضرورية، ومن هذا المنطلق، فإن تهديد توقف خدمات الدفاع المدني خلال 72 ساعة القادمة يشكل كارثة إنسانية وشيكة، لا تقل في خطورتها عن استمرار العمليات العسكرية ذاتها، بل قد تزيد من معاناة السكان وتفاقم الأزمة الإنسانية بصورة حادة.

إسرائيل تسحق غزة أرضًا وإنسانًا: اجتياح بري يكتب فصلًا جديدًا من المجازر

إن الاجتياح البري الجديد عكس نوايا إسرائيلية التي تتجاوز الأهداف العسكرية التقليدية، إذ يُنظر إليه كجزء من استراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل خارطة السيطرة والنفوذ داخل قطاع غزة، من خلال تقويض أي حوكمة محلية أو مقاومة مجتمعية، هذا التصعيد يمثل تصعيدا منهجيا لسياسة “الردع عبر التدمير”، وفرض واقع جديد من الخضوع والإذلال على أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في حصار خانق.

سياسة “الكيل بمكيالين” قد ترسخت كأحد ثوابت النظام الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية 

ما يزيد من تفاقم المأساة هو الغياب التام لأي رد فعل دولي حقيقي يتناسب مع حجم الكارثة الإنسانية في غزة، فالمجتمع الدولي يقتصر حتى الآن على إصدار بيانات شجب باهتة لا تتجاوز التعبير عن القلق، في حين تواصل إسرائيل انتهاك القوانين الدولية، بدءًا من اتفاقيات جنيف وصولًا إلى مواثيق حقوق الإنسان، وتبدو سياسة “الكيل بمكيالين” قد ترسخت كأحد ثوابت النظام الدولي، خاصة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي يُنظر إليها كملف مستدام يمكن تجاوزه، لا كقضية عدالة تستوجب تحركًا دوليا عاجلا، و فعالا.

الصمت الدولي يُشرعن القتل.. ويمنح إسرائيل مفتاح الإبادة

إن استمرار هذه الوتيرة الدموية من العدوان الإسرائيلي في ظل صمت دولي مريب، وفقدان أبسط مقومات الحياة الإنسانية في قطاع غزة، ينبئ بانفجار إنساني كارثي تتجاوز تداعياته حدود الجغرافيا الفلسطينية، وإذا لم يحدث تدخل سياسي دولي فاعل وحاسم يضمن وقف العدوان ورفع الحصار، فإن غزة مقبلة على مرحلة مظلمة ستشهد ليس فقط مأساة إنسانية غير مسبوقة، بل انهيار مدويا للضمير العالمي.

إن ما يجري الآن في غزة لا يُمكن تصنيفه كـ حرب بين قوتين متكافئتين، بل هو عملية إبادة منهجية تمارسها قوة احتلال ضد شعب أعزل، والصمت حيال ذلك لا يعد إلا تواطؤًا صريحًا، بل قد يصل إلى حد المشاركة غير المباشرة في هذه الجريمة الإنسانية الكبرى.

 

 

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.