مصر والإمارات.. شراكة تتجدد في لحظات الحسم
مصر والإمارات.. شراكة تتجدد في لحظات الحسم
بقلم : طه المكاوى
في مشهد يجسد عمق العلاقات التاريخية بين القاهرة وأبوظبي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في زيارة هي الثانية خلال أقل من شهر، في دلالة واضحة على أن التنسيق بين البلدين لم يعد يرتبط بالمناسبات الدبلوماسية التقليدية، بل بات مسارًا استراتيجيًا دائمًا يواكب تطورات المنطقة وتحدياتها المتلاحقة.
زيارة في توقيت دقيق
تأتي الزيارة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية وعلى رأسها استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو ما اعتبره مراقبون رسالة دعم سياسي قوية من الإمارات لمصر ودورها المحوري في الملف الفلسطيني، خصوصًا في ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي تواجهها القاهرة أثناء إدارتها للمشهد المعقد بين متطلبات الأمن القومي والتوازنات الإقليمية المتشابكة.
تنسيق سياسي واسع ورؤية مشتركة
أفادت مصادر مطلعة بأن المباحثات تناولت ما يُعرف بـ “خطة ترامب المعدّلة” الخاصة بالترتيبات الأمنية في غزة، إلى جانب الجهود العربية المبذولة لتهدئة الأوضاع ومنع انفجار إقليمي أوسع. كما شملت الملفات الإقليمية الأخرى مثل التعاون الدفاعي، وأمن الطاقة، والتنسيق في المنظمات الدولية.
ولا يقتصر التقارب بين القاهرة وأبوظبي على الجانب السياسي فحسب؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أن القيادتين عقدتا نحو 59 لقاءً رسميًا خلال السنوات الـ11 الماضية، من بينها 24 لقاءً في عهد الشيخ محمد بن زايد كرئيسٍ للدولة، وهو رقم يعكس أعلى معدل تشاور ثنائي بين زعيمين عربيين في العقد الأخير.
الاقتصاد.. محور متين في العلاقة
لم تغب الملفات الاقتصادية عن اللقاء؛ حيث أكد الرئيس السيسي حرص مصر على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الإماراتية، بينما أشاد الشيخ محمد بن زايد بالتطور الملحوظ في مناخ الاستثمار المصري. ويأتي ذلك امتدادًا للاتفاق الاستثماري التاريخي الموقع العام الماضي بين مصر وصندوق أبوظبي السيادي، والذي تضمن ضخ نحو 35 مليار دولار في مشاريع استراتيجية كبرى، أبرزها تطوير مدينة “رأس الحكمة” على الساحل الشمالي.
رموز الثقة المتبادلة
تعكس العلاقات بين البلدين مستوى عاليًا من الود الشخصي بين القيادتين؛ إذ تداولت وسائل الإعلام في مناسبات سابقة لقطات يظهر فيها الشيخ محمد بن زايد واضعًا يده على ذراع الرئيس السيسي في إشارة واضحة للتقدير والثقة. ويقول المراقبون إن هذه الرمزية لا يمكن فصلها عن الواقع السياسي والاستثماري المتنامي بين البلدين.
ماذا بعد؟
تشير مؤشرات المرحلة المقبلة إلى أن مصر والإمارات تتجهان نحو ترسيخ نموذج عربي جديد في العلاقات الاستراتيجية، يقوم على التحرك الاستباقي وليس رد الفعل، وعلى بناء تكتل عربي فاعل لا يكتفي بالاصطفاف بل يصنع المعادلات. وإذا كانت العقود الماضية قد شهدت علاقات أخوية راسخة، فإن الحاضر ينبئ بمرحلة تحالف إقليمي أكثر تنظيمًا وتأثيرًا، قد يشكل محور ارتكاز لمعادلة توازن جديدة في الشرق الأوسط.