الملف النووي الإيراني على مفترق طرق بعد تفعيل آلية “سناب باك”

الملف النووي الإيراني على مفترق طرق بعد تفعيل آلية “سناب باك”

طه المكاوى 

لم يعد البرنامج النووي الإيراني مجرد ملف تفاوضي بين طهران والدول الكبرى، بل بات اليوم عنصرًا حاسمًا في موازين الأمن والاستقرار العالمي. فقد أعاد مجلس الأمن الدولي استخدام آلية “سناب باك” في سبتمبر 2025 لإعادة فرض العقوبات على إيران بصورة تلقائية،

في خطوة اعتبرها كثيرون تحولًا استراتيجيًا يعيد رسم قواعد اللعبة في الشرق الأوسط. وبينما تترقب القوى الإقليمية والدولية ردّ طهران، يبدو أن المنطقة أمام مرحلة شديدة الحساسية يتداخل فيها الردع بالتفاوض، والحسابات النووية بالمصالح الجيوسياسية الكبرى.

أولًا: قرار “سناب باك” يعيد الضغط الدولي على طهران

دخل الملف النووي الإيراني مرحلة حاسمة عقب القرار الأخير لمجلس الأمن الدولي القاضي بتفعيل آلية “سناب باك”، والتي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران بصورة تلقائية. ويضع هذا القرار إيران أمام معادلة صعبة بين خيارين: العودة إلى طاولة التفاوض لتخفيف الضغوط أو التصعيد نحو مستويات أعلى من التخصيب والمواجهة المفتوحة مع الغرب.

ثانيًا: عقيدة أمنية ثابتة منذ الثورة الإسلامية

تعتمد إيران منذ 1979 على عقيدة دفاعية تقوم على تصنيف التهديدات إلى ثلاث دوائر رئيسية:

الولايات المتحدة وإسرائيل كعدو مطلق،

حلفاء واشنطن كخصوم داعمين،

المعارضة الداخلية كخطر يجب احتواؤه.

ولتطبيق هذه العقيدة، أسست طهران الحرس الثوري وفيلق القدس، مع تبني استراتيجية الرد غير المباشر عبر الصواريخ والطائرات المسيّرة والهجمات السيبرانية، إضافة إلى دعم الوكلاء في لبنان والعراق واليمن.

ثالثًا: انقسام داخلي حول خيار التفاوض أو التصعيد

تشهد الساحة السياسية الإيرانية خلافًا واضحًا بين التيار الإصلاحي والمحافظ؛

الرئيس مسعود بزشكيان والرئيس الأسبق حسن روحاني يدفعان نحو الحوار لتجنب مواجهة مكلفة،

بينما يرى المحافظون أن أي تنازل في هذه المرحلة يعادل الاعتراف بالضعف.

هذا الانقسام يجعل حسم القرار الاستراتيجي داخل النظام الإيراني أكثر تعقيدًا.

رابعًا: السيناريوهات المحتملة للمرحلة المقبلة

يرى الخبراء أن تطورات الملف النووي قد تتجه نحو أحد المسارات التالية:

1. تسوية معدلة بشروط متبادلة تعيد إحياء الاتفاق النووي بصيغة جديدة.

2. تصعيد تدريجي لرفع كلفة المواجهة دون بلوغ مستوى الحرب الشاملة.

3. مواجهة مفتوحة قد تمتد لسنوات وتعيد المنطقة إلى أجواء الحرب الباردة.

4. استمرار المماطلة وكسب الوقت دون حلول جذرية.

ويُرجّح المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب أن السيناريو الأقرب هو التصعيد المتدرج مع إبقاء قنوات التفاوض مفتوحة.

في ظل هذه المعادلة المتشابكة، يبدو أن المشهد النووي الإيراني لم يعد يحتمل الحسابات الضيقة؛ فكل خطوة خاطئة قد تُشعل مواجهة تتجاوز حدود الخليج لتشمل الإقليم بأكمله. وبينما تُمسك طهران بورقة برنامجها النووي كورقة ضغط، وتلوّح القوى الغربية بالعقوبات والعزل، يبقى التساؤل مفتوحًا: هل يؤدي التصعيد إلى تسوية… أم إلى انفجار؟

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.