بين المحاسبة والإنصاف.. هل تُنصف وزارة الصحة أحد أكفأ قياداتها؟
بقلم/ حماد الرمحي
في الوقت الذي تصاب فيه مؤسسات كبرى بالارتباك في مواجهة الأزمات، ظهرت قيادات أثبتت أن الإدارة ليست مجرد منصب، بل مسؤولية تُمارَس بعقلية علمية ومهنية دقيقة. من بين هذه القيادات، يبرز اسم الدكتور أحمد عطا، رئيس الإدارة المركزية للشئون الطبية بهيئة التأمين الصحي، الذي قاد إحدى أهم مؤسسات الدولة خلال أصعب اللحظات في جائحة “كوفيد-19”.
حين تتحول الكفاءة إلى مسؤولية لا عبء
منذ اللحظة الأولى لتفشي الفيروس، لم ينزلق الرجل إلى قرارات انفعالية أو شعارات استهلاكية، بل أسّس لاستراتيجية صحية متكاملة. أعاد توزيع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، وطوّر آليات المتابعة اللحظية، وأدخل إصلاحات جذرية على نظم الرعاية، في وقت كانت فيه أنظمة كاملة تنهار تحت ضغط العدوى.
يذكر أن ما قام به الدكتور أحمد عطا، خلال الأزمة كان تجسيدًا عمليًا لمفهوم الإدارة القائمة على الحقائق والبيانات، وليس الانطباعات. أنشأ غرف فرز وعزل بمعايير صارمة، وطبّق سياسات مكافحة عدوى بمهنية، وحرص على تدريب الطواقم الطبية ميدانيًا، ما أدى إلى تقليص فجوات التنفيذ، وتسريع الاستجابة، وتقديم رعاية صحية مستندة إلى قرار طبي مدعوم بإدارة فعالة.
هذه الإنجازات لم تكن مجرد ردة فعل مؤقتة، بل نموذج مستمر في تطوير منظومة التأمين الصحي، بما يعكس التزامًا وطنيًا عميقًا، وحرصًا على كرامة المريض واستقرار المؤسسة.

حادثة مستشفى أكتوبر.. أين تذهب المسؤولية المؤسسية؟
ورغم هذا الأداء المشهود، فوجئ قطاع الصحة بقرار مؤلم بإعفاء الدكتور أحمد عطا، من منصبه على خلفية واقعة طبية في مستشفى 6 أكتوبر للتأمين الصحي، ارتكبها أطباء الرمد في غرفة عمليات مغلقة، ونتج عنها فقدان أربعة مواطنين لبصرهم.
ورغم فداحة الخطأ، فإن تحميل المسؤولية لرأس المنظومة الطبية، دون وجود أي دليل على تقصير مباشر منه في الإشراف أو التنفيذ، يفتح الباب لتساؤلات مقلقة حول العدالة المؤسسية ومبادئ المحاسبة. هل يُعقل أن يُحاسب القيادي على خطأ طبي فردي؟ وهل يُفترض برئيس الإدارة الطبية مراقبة غرف العمليات في محافظات عدة بنفسه؟
إنصاف الكفاءات حماية للمنظومة لا للأشخاص
الدفاع عن استمرار الدكتور عطا، ليس دفاعًا عن شخص، بل دفاع عن فكرة: أن الكفاءة يجب أن تُصان، وأن المسؤول يُحاسب على ما يقرره ويشرف عليه، لا على ما يعجز منطقيًا عن متابعته لحظة بلحظة. الإقصاء السهل يرضي الرأي العام مؤقتًا، لكنه يهدم سنوات من بناء الأنظمة وكسب الثقة.
كما أن تصحيح هذا القرار لا يعني التهاون مع الخطأ، بل يعني أن تُوضع المسؤولية في مكانها الصحيح: الطبيب الذي أخطأ يُحاسب، والمسؤول الذي قصّر في وضع السياسات يُسأل، أما من أدّى أمانته بضمير وعلم، فيُكرَّم لا يُقصى.

رسالة إلى الوزير: قرارات تصنع الثقة
في ختام هذا التقرير، تبقى رسالة إلى معالي الدكتور خالد عبد الغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة، أن العدالة لا تتحقق بإلقاء اللوم على القيادات المجتهدة، بل بمراجعة القرارات بناءً على الأداء الفعلي، وتثبيت المعيار المهني في المحاسبة.
وتجدر الإشارة إلى أن إعادة الدكتور أحمد عطا إلى موقعه ليست مجرد إنصاف لشخص، بل حماية لمنظومة بأكملها من الانهيار تحت ضغط الخطأ والعاطفة، ورسالة أمل لكل كفاءة شابة بأن الدولة تُنصف من يُخلص، وتحمي من يُنجز.
ختامًا، في زمن تحتاج فيه مصر إلى قيادات تؤمن بالمسؤولية وتُمارسها، فإن إقصاء المجتهدين هو ضياع للفرص، وتثبيتهم هو الطريق إلى بناء منظومة صحية متماسكة تستحقها الدولة والمواطن.