الإرشاد النفسي أم الأسري؟ دليلك العملي لاختيار الأنسب لمشكلتك

العقل السليم والأسرة المتينة: رحلة في عالم الإرشاد النفسي و الأسري

كتب باهر رجب

في عصر تتسارع فيه وتيرة الحياة و تتعقد ضغوطاتها، برزت الحاجة الملحة إلى ملاذ آمن لفهم الذات وترميم العلاقات. هنا يأتي دور الإرشاد النفسي والإرشاد الأسري كمنارات إرشاد تساعد الأفراد والعائلات على اجتياز تحديات الحياة وبناء مستقبل أكثر صحة وسعادة.

ما هو الإرشاد النفسي؟

الإرشاد النفسي هو عملية مساعدة منهجية يقوم بها أخصائي مؤهل (مرشد نفسي أو معالج) لمساعدة الفرد على فهم مشاعره و سلوكياته وأفكاره بشكل أفضل. الهدف ليس تقديم حلول جاهزة، بل تمكين الفرد من تطوير أدواته الداخلية لاكتشاف إجاباته الخاصة والتكيف مع الصعوبات بشكل فعال.

أهداف الإرشاد النفسي:

التعامل مع الضغوط والقلق:

تطوير استراتيجيات لإدارة القلق والتوتر الناتج عن العمل أو الدراسة أو العلاقات.

مواجهة الاكتئاب و الحزن:

فهم جذور المشاعر السلبية والعمل على تجاوزها.

تعزيز تقدير الذات:

بناء صورة إيجابية عن الذات والثقة في القدرات.

إدارة الغضب والعواطف:

تعلم التحكم في الانفعالات والتعبير عن المشاعر بطرق صحية.

التكيف مع تغيرات الحياة:

مثل فقدان الوظيفة، الطلاق، أو فقدان عزيز.

علاج الصدمات:

معالجة الآثار النفسية للصدمات القديمة أو الحديثة.

ما هو الإرشاد الأسري؟

إذا كان الإرشاد النفسي يركز على الفرد، فإن الإرشاد الأسري ينظر إلى الأسرة كنظام متكامل. إنه تخصص يركز على فهم ديناميكيات العلاقات بين أفراد الأسرة وتحسين التواصل لحل المشكلات التي تؤثر على الصحة النفسية للجميع.

أهداف الإرشاد الأسري:

تحسين التواصل:

كسر حاجز الصمت أو الجدال المستمر وإيجاد لغة حوار محترمة وفعالة.

حل النزاعات:

إدارة الخلافات الزوجية أو بين الآباء والأبناء بطرق بناءة.

التكيف مع الأزمات:

مثل المرض المزمن، أو إدمان أحد الأفراد، أو المشكلات المالية.

تعديل الأدوار:

مساعدة الأسرة على التكيف مع التغيرات في الأدوار، مثل ولادة طفل، أو مرحلة المراهقة، أو خروج الأبناء من المنزل.

دعم أفراد الأسرة:

تقديم الدعم للأسرة في التعامل مع مشكلات فرد فيها (مثل اضطرابات الأكل، الاكتئاب، الإدمان).

الفروق الجوهرية: الفرد أم النظام؟

 

الفروق الجوهرية: الإرشاد النفسي مقابل الإرشاد الأسري

على الرغم من أن كلا النوعين من الإرشاد يهدفان إلى تحسين الحالة النفسية والعلاقات، إلا أنهما يختلفان بشكل جوهري في المنظور والنهج، ويمكن تلخيص هذه الفروق على النحو التالي:

يتمحور الإرشاد النفسي بشكل أساسي حول الفرد، حيث ينصب تركيزه على مشاعره الداخلية وتجاربه الذاتية وأنماط تفكيره وسلوكه. ينطلق هذا النوع من الإرشاد من منظور يعتبر أن المشكلة تنبع أساسا من داخل الفرد وقد تكون مرتبطة بتجاربه الشخصية أو حالته النفسية. و بناء على ذلك، فإن الهدف الرئيسي له هو تحسين الصحة النفسية لذلك الفرد من خلال مساعدته على تغيير أفكاره و سلوكياته غير المتكيفة. وعادة ما تتم هذه العملية من خلال مشاركة الفرد في جلسات فردية مع المرشد.

في المقابل، يركز الإرشاد الأسري على النظام الأسري ككل، معتبرا أن المشكلة هي نتاج التفاعلات وديناميكيات العلاقات بين جميع أفراد الأسرة، وليس مشكلة فرد معزول. من هنا، فإن منظوره للمشكلة مختلف تماما، فهو ينظر إليها على أنها نابعة من أنماط التواصل والعوامل البيئية داخل النظام الأسري. و بناء على هذا الفهم، فإن الهدف الأساسي يصبح تحسين جودة التفاعل بين أفراد الأسرة وتعديل ديناميكيات العلاقات لخلق بيئة أكثر صحة. ولتحقيق هذا الهدف، تتطلب العملية مشاركة جميع أو معظم أفراد الأسرة في جلسات جماعية لمعالجة المشكلات المشتركة.

باختصار، يكمن الفرق الأساسي في نقطة التركيز: هل هي العالم الداخلي للفرد أم الشبكة المعقدة للعلاقات الأسرية؟

التكامل بينهما: وجهان لعملة واحدة

في الواقع، لا ينفصل الإرشاد النفسي عن الأسري تماما. غالبا ما تكون المشكلات مترابطة. قد تبدأ بجلسات إرشاد نفسي فردي لعلاج اكتئاب أحد الأفراد، ليكتشف المرشد أن جذور المشكلة تكمن في بيئة أسرية متوترة، فيوصي بجلسات إرشاد أسري. والعكس صحيح، فخلال جلسات الإرشاد الأسري، قد يتبين أن أحد الأفراد يعاني من مشكلة نفسية عميقة تتطلب تدخلا فرديا مكثفا.

متى يجب طلب المساعدة؟

لا يجب الانتظار حتى تصل الأمور إلى نقطة الانهيار. إليك بعض الإشارات:

للإرشاد النفسي:

عندما تشعر أن مشاعرك تعيقك عن ممارسة حياتك اليومية، أو تفقد اهتمامك بما كنت تحبه، أو تلجأ repeatedly إلى سلوكيات ضارة (كالإفراط في الأكل أو العزلة).

للإرشاد الأسري:

عندما تصبح النزاعات هي اللغة السائدة، عندما يتجنب أفراد الأسرة بعضهم البعض، عندما تؤثر مشكلة فرد واحد سلبا على الجميع، أو عند وجود صعوبة في التكيف مع مرحلة انتقالية (كالطلاق أو الانتقال).

نصائح للاستفادة القصوى من جلسات الإرشاد

1. الاختيار الصحيح:

اختر مرشدا أو معالجا مؤهلا و مرخصا وله خبرة في المجال الذي تبحث عنه.

2. الانفتاح والصدق:

نجاح العملية يعتمد على صراحتك و استعدادك للمشاركة.

3. الصبر:

التغيير لا يحدث بين عشية وضحاها. يحتاج إلى وقت وجهد.

4. المشاركة الفعالة:

كن شريكا نشطا في العملية، وليس متلق سلبيا.

5. التطبيق خارج الجلسة:

حاول تطبيق ما تتعلمه في الجلسات على أرض الواقع في حياتك اليومية.

الخاتمة: استثمار في رأس المال البشري

لم يعد اللجوء إلى الإرشاد النفسي أو الأسري من المحظورات الاجتماعية أو علامة على الضعف. على العكس، هو خطوة شجاعة تدل على الوعي والرغبة في النمو والتغيير. إنه استثمار في أهم ما نملك: صحتنا النفسية و علاقاتنا الإنسانية، وهو حجر الأساس لبناء مجتمع أكثر وعيا ومرونة وسلاما. إنه رحلة لاكتشاف الذات وبناء جسور من الفهم داخل البيت الذي نسميه الأسرة.

ملاحظة: هذا المقال عام ولا يغني عن الاستشارة المتخصصة. إذا كنت تواجه مشكلة، ينصح بالتواصل مباشرة مع أخصائي نفسي أو أسري مرخص.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.