الدم الفلسطيني يستباح على مرأى العالم.. وخان يونس تمحى من الخريطة
خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط، نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 160 ضربة جوية ومدفعية
أعلن الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم الإثنين، بدء مرحلة جديدة من عملياته العسكرية في محافظة خان يونس ومحيطها، تحت مسمى “عربات جدعون”، داعياً السكان المدنيين إلى مغادرة منازلهم فوراً والتوجه إلى منطقة المواصي، باعتبارها منطقة آمنه.
كتبت: ريهام طارق
التحذير الذي أطلقه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر منصة “إكس”، جاء مقروناً بتهديد واضح: خان يونس أصبحت ساحة قتال خطيرة، و سنشن هجوماً غير مسبوق لتدمير قدرات المنظمات الإرهابية في هذه المنطقة.
اقرأ أيضاً: اسرائيل تبيد غزة: والصمت الدولي يمنحها الضوء الأخضر
خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط، نفّذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 160 ضربة جوية ومدفعية:
خلال الـ 24 ساعة الماضية فقط، نفذ الجيش الإسرائيلي أكثر من 160 ضربة جوية و مدفعية، مستهدفاً ما وصفه بـ”خلايا إرهابية” ومخازن أسلحة ومواقع إطلاق صواريخ، إلى جانب مباني مفخخة في شمال وجنوب غزة، كما شملت الضربات مركز قيادة عمليات ومواقع مضادة للدبابات
كل ذلك يندرج ضمن المرحلة الثانية من خطة عسكرية واسعة، بدأ تنفيذها أمس الأحد، وتشمل إطلاق النار التمهيدي من الجو والبر، وإجلاء واسع للسكان نحو الجنوب، أما المرحلة الثالثة، وفقاً للبيان العسكري، فستكون “المناورة البرية” التي تهدف إلى احتلال أجزاء من غزة تدريجياً، وإعداد الأرض لوجود عسكري طويل الأمد.
اقرأ أيضاً ؛ قمة بغداد .. تونس تعلن رفضها القاطع لكل المحاولات الرامية لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته العادلة.
حين يتحول التهجير إلى استراتيجية… والموت إلى خطة معلنة:
اللافت في هذه العملية ليس فقط عنفها، بل رمزية اسمها، “عربات جدعون”، الاسم المستوحى من الشخصية التوراتية، يحمل في طياته أبعاداً دينية وتاريخية تسعى إسرائيل من خلالها إلى تسويق هذه الحرب باعتبارها “صراعاً وجودياً”، لا مجرد رد أمني، لكن الواقع على الأرض يشي بخطة ممنهجة تهدف إلى تفكيك قطاع غزة من الداخل، وتغيير معادلة السيطرة والسيادة بالكامل، بتهجير سكان خان يونس وتحويل جنوب القطاع إلى منطقة نزوح قسري، يعكس توجهاً واضحاً نحو إحداث تغيير ديموغرافي مؤقت أو دائم، يصب في خدمة مشاريع أمنية وسياسية بعيدة المدى.
إسرائيل تسعى من خلال هذه العملية إلى تحقيق إنجاز ميداني كبير يعوض الفشل السابق:
إطلاق العملية بهذا الزخم يأتي في توقيت بالغ الحساسية، يتزامن مع توتر متزايد في الجبهات الشمالية مع حزب الله، و توترات في البحر الأحمر، والضغط المتزايد على الحكومة الإسرائيلية داخلياً بعد فشلها في حسم المعركة في غزة رغم مرور أشهر على اندلاعها، ومن الواضح أن إسرائيل تسعى من خلال هذه العملية إلى تحقيق إنجاز ميداني كبير يعوّض الفشل السابق، ويعيد لها زمام المبادرة إقليمياً، كما يضع المجتمع الدولي أمام خيارين: “إما السكوت، أو دعم العملية بحجة “محاربة الإرهاب”، رغم ما تحمله من كلفة إنسانية هائلة”.
الرهان الإسرائيلي محفوف بالمخاطر:
رغم هذا الاستعراض العسكري، فإن العملية البرية المرتقبة تبدو رهاناً مكلفاً وغير مضمون النتائج، غزة ليست ساحة مفتوحة، بل شبكة معقدة من الأنفاق والمقاومة المسلحة والتضاريس الصعبة، ما قد يدفع إسرائيل إلى حرب استنزاف قد تطول وتفقد السيطرة عليها، ومع التنديد الدولي المتصاعد، وتزايد الضغوط الحقوقية، تبقى صورة إسرائيل على المحك، فالعالم بدأ يرى في غزة مأساة إنسانية حقيقية، لا ساحة مواجهة فقط، ما قد يعيد ترتيب المواقف في المحافل الدولية، ويضع إسرائيل في مواجهة مع المجتمع الدولي لا مع الفصائل فقط.
عربات جدعون مشروع سياسي طويل النفس، يسعى إلى إعادة رسم مستقبل القطاع، بالقوة والدمار:
في النهاية تنزف غزة من جديد، ويدفع الثمن المدنيون الأبرياء الذين لم يكونوا طرفا في قرار الحرب، وما بين التصعيد العسكري الإسرائيلي والتحذيرات الميدانية، تظل الحقيقة الثابتة أن السكان العزل يجبرون على النزوح، بينما تغيب حقوقهم عن الحسابات السياسية الباردة.
عربات جدعون ليست مجرد عملية عسكرية، بل مشروع استراتيجي طويل المدى يهدف إلى فرض واقع جديد في قطاع غزة بالقوة والخراب، وبين قصف الدبابات الإسرائيلية وصمت المجتمع الدولي، تزهق أرواح وتُدفن أحلام الطفولة تحت أنقاض البيوت المدمرة.

وتبقى غزة الجرح المفتوح في ضمير العالم الذي لم يفق بعد.
غزة ليست خبراً عابراً في نشرات الأخبار، بل وطن جريح، كل زاوية فيه تروي قصة فقد، وكل شارع يشهد على صمود لا يعرف الانكسار، ورغم وحشية “عربات جدعون” والتجاهل الدولي، يظل الشعب الفلسطيني شامخاً وسط الركام، يكتب حكاية صمود بالدم والكبرياء، وتبقى غزة الجرح المفتوح في ضمير العالم الذي لم يفق بعد.
