فتنة السُّنة والشيعة ..خرافة الانقسام وصناعة الفتنة يرصدها د. عمر محفوظ
فتنة السُّنة والشيعة .. لقد ظهرت هذه الفتنة حينما أصبح الكرسي أغلى من الكعبة، وأغلى من كلمة لا إله إلا الله. الفتنة لا تولد من فقه ولا من قرآن، لكنها تُصنع في مطابخ السياسة، وتُطبَخ بأيدٍ مرتزقة، وتُقدَّم لجمهور مغيَّب يظنها دينًا، وهي في أصلها فتنة سُلطة لا فِكر، فتنة عمائم مأجورة لا عقيدة مغدورة.
التاريخ بعيون العدل
لو راجعت التاريخ بعيون العدل، لا بعيون الطائفة، لوجدت أن الصراع لم يكن بين أهل القبلة، بل بين أصحاب المطامع، وأن التشيع لم يكن سوى ولاءً سياسيًا تطور إلى انتماء عقدي، وأن السُّنة ليست مذهبًا، بل هي ذاكرة السلطة بعد أن صارت السلطة هي الدين، لا الدين هو السلطة.
معارك تاريخية تجر معها الحاضر
الذين يصرخون “الشيعة يسبّون الصحابة”، ينسون أن من الصحابة مَن قاتل بعضهم بعضًا في الجمل وصفين، وأن عليًا وعائشة ومروان كانوا جميعًا صحابة يتقاتلون، فهل نكفّرهم؟ أم نكفّ لساننا ونحفظ مقام النبوة الذي جمعهم يومًا؟
اقرأ ايضا: باسم سمرة في شخصية جديدة.. مسلسل «زمالك بولاق» تفاصيل جديدة
الذين يصرخون “السُّنة نواصب”، ينسون أن معاوية نفسه جلس إلى الحسن بن علي وساومه، وأن الحسين ما خرج باحثًا عن مذهب، بل عن عدل مفقود.
كلّ هذه المعارك التاريخية تُجَر إلى الحاضر، وتُباع للمساكين على أنها “صراع الحق والباطل”. والحق أن الباطل فينا نحن، حين نُصدّق أن الحروب في اليمن وسوريا ولبنان والعراق قائمة على التشيع والتسنن، وليست قائمة على الغاز والنفوذ وصفقات السلاح.
قالها نزار قباني يومًا وهو ينظر إلى حال الأمة: “مَن علّم الإنسان أن يكره أخاه؟ من علّمه أن يحمل السكين على أخيه؟ من علّمه أن يذبح جاره ويقول: الله أكبر؟”
اقرأ ايضا: في عز الضهر .. شيرين رضا تكشف عن تفاصيل عملها الأخير مع نجم عالمي
ثم يأتي الإعلام، هذا الذي يضخّ الجهل في العروق، فيقدّم لنا الشيعة على أنهم عُبّاد قبور، والسُّنة على أنهم خوارج، وينسى أن الجهل هو المذهب الوحيد الذي يجتمع عليه الطرفان!
يا سادة، الفتنة تُصنع لا تُولد، تُستورد لا تُنتج محليًا، ووراء كل فتنة طائفية تجد خيطًا سياسيًا، وغالبًا ما يكون الخيط أمريكيًا أو إسرائيليًا أو إيرانيًا. لا يهمهم إن كنت شيعيًا أو سنيًا، المهم أن تظل ممزقًا!
لقد نادى ربنا: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” [الحجرات: 10]، فما الذي فرّقهم؟ أليس الطمع؟ أليس حب السلطة؟ أليست الكراهية المزروعة باسم “الفرقة الناجية”؟ وهل حقًّا هناك فرقة ناجية؟ أم أننا جميعًا في الهاوية؟
طائفية يغذيها الجهل
ويكفيك هذا الحديث النبوي لتفهم: “إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار”، ولم يسأله الصحابة عن “مذهب القاتل”… بل عن نيته!
إنني أكتب هذا المقال لا دفاعًا عن الشيعة ولا عن السُّنة، بل دفاعًا عن العقل الذي ضاع، وعن الدين الذي تحوّل إلى شعارات طائفية يلوكها الإعلام، ويغذيها الجهلاء، ويستثمر فيها الطغاة.
وأخيرًا .. الذي يتقي الله لا يُكفّر غيره، ولا يبني دينه على لعن الآخرين. الدين ليس منصة للسباب، بل بابٌ للرحمة. ومن ضاقت به دائرة “المؤمنين إخوة” فليراجع إيمانه قبل أن يُراجع مذهب غيره.