لماذا لا نُسامح بعضنا البعض؟
لماذا لا نُسامح بعضنا البعض؟
بقلم د.هيام عزمي النجار
بسم الله الرحمن الرحيم ” والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يٌحب المحسنين ” صدق الله العظيم – والسؤال هنا لماذا الإنسان لا يُسامح أخاه أو صديقه أو أي شخص فعل معه موقف؟ ولماذا لا ينسى الإساءة؟ والرد هو أننا لو عرفنا قيمة ومعنى التسامح لوجدناه سمة من سمات الأقوياء على عكس برمجتنا السلبية، وإدراكنا السلبي عن المعنى الذي أعطيناه عن التسامح، إن التسامح إختيار وليس فريضة وإنما إختيار صعب جداً، ولكنه ليس مستحيل – فالإنسان القوي فقط هو من يُسامح ولو تمعنا في معنى وقيمة التسامح لوجدنا أنه لا يُمكن أن نُحب بدون أن نُسامح، ولا يُمكن أن نُعطي بدون أن نُحب، فالتسامح والحب والعطاء قوة ثلاثية لا يمكن التفرقة بينهما بل كل منها يُكمل الآخر في معناه وقيمته، وحتى نُسامح بعضنا البعض لابد أن نعرف أهمية هذه القيمة العليا التي ذُكرت في الأديان السماوية الثلاثة:-
في الإسلام: من لا يغفر لا يُغفر له ، وإرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.
في المسيحية: إن لم تُسامح لا تُصلي فلن تُقبل صلاتك.
في اليهودية: إن لم تُسامح لا تدعو فلن يُقبل دُعائك.
فبأي منطق أيها الإنسان بعد ذكر كل ذلك بأنك لا تستطيع أن تُسامح شخص في موقف ما صدر منه، لابد أن تسأل نفسك ماذا يعود عليك من عدم التسامح؟ هل الشخص أم الموقف الصادر منه يستحق أن تُهدر طاقتك في عدم التسامح والغضب والحزن الشديد؟ وأن تتذكر بين الحين والآخر هذا الموقف الصادر من الشخص الذي قررت عدم مسامحته وتشتعل أحاسيسك لتكون سلبية جداً لتؤدي إلى سلوكك السلبي ونتائجك السلبية، وإسأل نفسك هل لو سامحت هذا الشخص ماذا يحدث بداخلك؟ هل تفكيرك سيكون أفضل؟ ومن ثم تركيزك وأحاسيسك تكون إيجابية متزنة، وبالتالي سلوكك ونتائجك تكون إيجابية، فماذا أفضل لك أن تُسامح أو لا تُسامح؟ وما هو النفع الذي يعود عليك من قوة التسامح؟ أقول لك أن المنفعة كبيرة جداً فلتنسى الإساءة، ولا تنسى الموقف حتى لا يتكرر مرة أخرى معك، وتكون حذر وحريص دائماً لكن تنسى إساءة الإنسان لك وتعفو عنه، وتسأل نفسك هل هذا الشخص أقدر عليه إجتماعياً، مادياً، ثقافياً، جسمانياً، مهنياً؟ فلو كُنت تقدر عليه ولو في جانب واحد من هذه الجوانب لابد أن تعفو عنه وتُسامحه، إن الله غفور رحيم – فهو يُسامحنا مهما أخطأنا ويغفر لنا دائماً فما بالك أيها الإنسان إنك العبد الفقير إلى الله، فالرحمة والمغفرة واسعة من عند الله، وليس مختصة لبشر على الأرض، ولا تنسى أبداً أنه حتى يُسامحك الله لابد أن تُسامح نفسك أولاً، ومن ثم تُسامح غيرك ثانياً حتى يُسامحك الآخرين ثالثاً، ومن ثم يُسامحك الله دنيا وآخرة رابعاً لأنك سامحت وعفوت فأنت عفوت عند المقدرة، ولابد أن يكون التسامح متكاملاً أي التسامح المنطقي الذي يكون داخل العقل التحليلي والتسامح العاطفي الذي يكون داخل العقل العاطفي، فكيف يكون ذلك؟
مثال للتوضيح:- مثلاً لو عندك صديق فعل بك موقف وقررت أن تُسامحه فلابد أن يكون عقلك وفكرك وقلبك ومشاعرك وأحاسيسك مُتسامحين تماماً أي أنه عندما تتذكر صديقك يكون العقل والفكر مُتسامح، ولابد أن يكون الأحاسيس والقلب مُتسامح في نفس الوقت، فهناك إناس تقول سامحت بالعقل ولكن القلب لم يُسامح، وهذا من الخطورة بمكان، فلابد أن يكون القلب والعقل مُتسامحين معاً حتى يحدث التسامح المتكامل، وأخيراً وليس آخراً تذكر أيها الإنسان أنك عندما تُسامح شخص ما تكون في هذا الوقت وجهت طاقتك كلها للخير ” ولا يتم توجيهها أبداً ( لشر أو حقد أو غل أو غضب أو إنتقام ) أي الأشياء الناتجة من عدم التسامح ” وسوف يكون نتيجة ذلك أن يدعي لك الشخص الذي سامحته، وسوف يُسامحك الناس على مواقف سواء فعلتها بقصد أم عن غير قصد منك، وسوف يُسامحك الله لأنك سامحت الآخرين – أيها الإنسان رجاءاً – الحياة قصيرة جداً وأنت تعيشها مرة واحدة فعشها رائعة، فقبل أن تتكلم إسمع، وقبل أن تجرح إشعر، وقبل أن تُصلي إغفر، وقبل أن تحكم وتُقيم تَروى، وقبل أن تكتب فكر، وقبل أن تموت عيش، وإبتسم دائماً في كل الأحوال فلك الدنيا بما فيها.
كاتبة المقال
د.هيام عزمي النجار
مدربة قوة الطاقة البشرية