مسيراتُ التكبير الليلية استفتاءٌ على نهج المقاومة.. د. مصطفى اللداوي

مسيراتُ التكبير الليلية استفتاءٌ على نهج المقاومة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

ظن العدو أن أحداً لن يستجيب لنداء قادة كتيبة “عرين الأسود”، وسيبح صوتها وسيذهب أدراج الرياح نداؤها، ولن يصغي إلى دعوتها أحد، وستخيب آمالها وستمنى بالفشل، وستصاب بالإحباط، وستشعر أنها وحدها ولا يوجد من يؤيدها ويقف معها ويساندها، وظنوا أن قادة العرين مخدوعين بشعبهم وغير عالمين به، فهو مشغولٌ عنهم لا يصغي إليهم، ومهمومٌ بنفسه ولا يهتم بهم، ولهذا فإن صرختهم ستكون في وادٍ ولن يسمع لها صدى، وسينتصف الليل ويبزغ نور الصباح ويستقظ قادة عرين الأسود ليجدوا أنفسهم وحدهم لا ناصر لهم، ضعفاء لا من يساندهم، وغرباء لا من يؤيدهم.

 

يكذب العدو على نفسه كثيراً ويخدع غيره دائماً عندما يظن ويشيع أن المقاومة شرذمةٌ قليلون، وأنهم غرباء منبوذون، وأنهم معزولون مكروهون، وأنهم لا يعبرون عن رأي الشعب ولا عن توجهاته، فجاءت نتائج دعوة عرين الأسود لتلطمه على وجهه، وتركل قادته على مؤخراتهم، وتهزأ بهم وتضحك عليهم، فقد خرج الفلسطينيون ومعهم جموعٌ حاشدةٌ من العرب في كل مكان، استجابةً لأمرهم وبراً لقسمهم، وتأييداً لعملهم، وتأكيداً على نهجهم، وشهدت شوارع فلسطين كلها، التي أصبح منتصف ليلها فجراً أبلجاً وزحفاً ممداً، على أن المقاومة هي خيار الشعب ومنهجه، وأنه بها يتمسك وعليها يصر حتى يحقق أهدافه بتحرير أرضه واستعادة وطنه.

 

مسيرات التكبير وشعارات التأييد لم تكن في غزة ومدن ومخيمات القدس والضفة الغربية فقط، بل عمت المسيرات أرضنا الفلسطينية في حيفا ويافا واللد والرملة، وشملت مدن وبلدات المثلث وغيرها، فضلاً عن مخيمات الشتات وبلدان اللجوء، التي صدحت إلى جانب مسيراتها الجوالة مساجدُها مهللةً مكبرةً مؤيدةً لأهلنا في نابلس، ولكتيبة عرين الأسود وكل كتائب فلسطين التي غدت تشملها وتنتشر فيها على اتساعها، وأصبحت تتضامن مع بعضها، وتتظافر جهودها وتتناسق، وتتسابق وتتنافس، وتحاكي بعضها وتقلد أساليبها المختلفة.

 

الحشود الشعبية الفلسطينية الغفيرة التي جابت الشوارع في الوطن والشتات، خير دليلٍ وأكبر برهانٍ على أنها مع خيار المقاومة، وأنها مع مقاتلي عرين الأسود في صمودهم وثباتهم، وأنها مع نابلس تؤيدها وتتضامن معها، ولن تتركها وحدها ولن تتخلى عنها، وهو نفس الموقف الذي اتخذته مع جنين ومخيمها، ومع القدس وأحيائها، ومع الأقصى وبواباته، فالشعب الفلسطيني بات صفاً واحداً وجبهةً متماسكة ضد العدو الصهيوني، ولن يسمح له بالتفرد في جزءٍ منه، وتصنيف فئاته أو مناطقه وفق هواه ومصالحه.

 

الشعب الفلسطيني مع مجموعة “عرين الأسود”، ومع كتائب جنين وجبع وقباطية وغيرها، لأن هذه الكتائب وأعضاءها استطاعت أن ترسم صورةً مشرقةً زاهيةً عن الشعب الفلسطيني، وأبرزت نضاله في أروع صوره، وخاضت مقاومته في أجلى معاركها، فأصبحت في مسيرة المقاومة الفلسطينية رقماً صعباً يصعب تجاوزه، وصفحةً ناصعةً يصعب إنكارها، وشكلت في حياته حالةً استثنائية يعتز بها الفلسطينيون ويؤمنون بها، فقد تمردت على الاحتلال وسياساته، وانتصرت على إجراءاته وتحدياته، ونالت منه وأوجعته، ونجحت في ترجمة شعار وحدة الساحات إلى واقعٍ حقيقي وممارسة فعلية.

 

استجابة الشعب الفلسطيني لدعوة عرين الأسود بالخروج في مسيراتٍ شعبية، والتكبير بصورةٍ جماعية، تأكيدٌ عملي على اعتماد كل أشكال المقاومة الخشنة والناعمة، العسكرية والشعبية، والرمزية والسلمية، طالما أنها تعبر عن رفض الاحتلال وتغيظه، وتستنكره وتفضحه، فالتكبير الجماعي في المساجد الشوارع وعلى شرفات المنازل وأسطح المباني، ودق الأجراس في الكنائس، ورفع الأعلام الفلسطينية وتأدية التحية لها، والصمت العام والتوقفات المرورية المشتركة في توقيتٍ واحدٍ لدقيقةٍ أو أكثر، والإضرابات العامة والمسيرات والعصيان المدني،  والصور واللوحات الجدرانية والمؤتمرات الإعلامية، كلها وغيرها أشكالٌ نضالية ووسائل مقاومة تغيظ العدو وتزعجه، ينبغي أن نسلكها ونعتمدها، وألا نتخلى عنها ونهملها.

 

الحمد لله أن الشعب الفلسطيني والأمة العربية قد بَرَّا بالمقاومة وكانا وفيين لها وصادقين معها، ووقفا معها وبيضا وجهها، ولم يخذلاها أمام عدوها، ولم يتخليا عنها في محنتها، بل هتفا باسمها، ورفعا صور شهدائها، وأقسما بالله عز وجل أن ينصروا المقاومة وأن يتمسكوا بها سبيلاً للتحرير، ووسيلةً للنضال، ورفعوا رؤوسهم عالياً بالكتائب الوطنية التي قاتلت باسمهم وضحت من أجلهم، وتحدت العدو وصرخت في وجهه “إن المقاومة باتت تمتلك درعاً وسيفاً”، فحمى الله سيف المقاومة، وجرده مسلولاً بيد رجاله، وجعله بتاراً في معركة التحرير، حاداً على العدو صارماً في مواجهته، يحز رأس من يحتل أرضنا، أو يتآمر على حقوق شعبنا.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.