نبيل أبوالياسين: هل إقتنع المجتمع الدولي بأن الإساءة للمقدسات تهدد «حرية التعبير»؟

نبيل أبوالياسين: هل إقتنع المجتمع الدولي بأن الإساءة للمقدسات تهدد «حرية التعبير»؟

لقد شهدنا مؤخراً عملية تكرار الإساءة للإسلام وإستفزاز المسلمين وأخرها حرق المصحف الشريف، من خلال أشخاص متطرفة وهمجية غير مسؤولة وللأسف بتصريح رسمي وحماية شرطية، وبشكل يستفز مشاعر جميع المسلمين حول العالم، وأخرها في دولة السويد حيثُ قام متطرف بحرق المصحف وبتصريح من السلطات السويدية، وأخيراً تحرك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ونتساءل ويتساءل الكثير ما دلالات هذا القرار الذي إتخذه المجلس؟، ولماذا تبنى قراراً يدين حرق القرآن الكريم الآن وبالتزامن مع مع توالي الإعتذارات الغربية للمسلمين؟.
وناشدنا مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مِراراً وتكراراً بتبني قراراً يدين أعمال الكراهية الدينية مثل حرق القرآن، والإساء للأنبياء، والعبث بالأماكن المقدسة، وعدم التعرض للرموز الدينية، وأكدنا؛ على أن كل هذة التصرفات الهمجية والمتطرفة، لا تعتبر ضمن حرية التعبير ولكنها أعمال إجرامية مُشينه قد تُعرض حرية التعبير للخطر،
وبعد ما كان الرد الإسلامي على تلك الإساءات المتكررة والتي زادت وتيرتها في الأيام القليلة الماضية رد رشيد وحكيم، وبالعلم والمعرفة وليس رد الإساءة بإساءة مثلها،آإِثَارَ إنتباه الغرب وأَحْدَثَ صحوه قومية غربية إعتذر فيها البعض للمسلمين، ودفعت
مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بإصدار القرار بعد مناقشة طارئة طلبتها عدد من الدول الإسلامية، بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي وتصدرتها “باكستان” بعد حرق المصحف في السويد.
وقد وافق على القرار 28 عضواً في المجلس من أصل 47، معظمهم من الدول الأفريقية وأوكرانيا والصين، فيما أمتنع سبعة أعضاء عن التصويت وصوت “12“ عضواً ضد القرار، من ضمنهم المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا، وينص هذا القرار على إدانة أي دعوة تُظهر الكراهية لأي ديانة، وذكر منها الأنشطة الأخيرة والعلنية والمتعمدة، التي أدت إلى نزع صفة القداسة عن القرآن الكريم، ودعوة الدول إلى إعتماد قوانين تسمح لها بمحاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال المشينة التي تهدد حرية التعبير.
وأستغرب في مقالي: هذا من موقف الدول التي أمتنعت عن التصويت!، وفي نفس السياق أستنكر؛ بشدة موقف الدول التي صوتت ضد القرار تحت مزاعم أن القرار يتعارض مع حرية التعبير! وأتساءل هنا؛ عن أي حرية تعبير تتحدثون عنها، هل حرق المصحف الشريف على الملأ وبحراسة رجال الشرطة لإستفزاز ملياري مسلم في جميع دول العالم يعتبر “حرية تعبير”؟، أم الكيل بمكيالين، وإزدواجية المعايير أصبحت نهج سياسي تتبعونه؟، أم الكره الدفين للإسلام والمسلمين، أصبح يتم إظهاره في العلن من خلال الأذرع المتطرفه التابعه لإستخبارات بعض الدول كتلك الهمجي المتطرف الذي حرق المصحف في “السويد” تحت مزاعم حرية التعبير!.
وأوجه رسالة في مقالي؛ إلى الدول الغربية التي صوتت ضد قرار مجلس الأمن التابع للآمم المتحدة، والتي أعربت خلال المناظرات في المجلس عن معارضتهم لقوانين مناهضة التجديف كما زعموا، وتناقضهم في الوقت نفسه يستنكروا بشدة حرق المصحف في السويد!، بأن شعوب العالم بما فيها شعوب دولكم أصبحت تئن في صمت وقريباً سيكون الإفصاحٌ في العلن من السياسات الغير رشيدة، وازدواجية المعايير التي أصبحتم تتمتعون بها، والتي تتناقض مع حديثكم في كل محفل من المحافل، فما هو موقفكم حينها؟.
وأستنكر؛ بشدة دعوة الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي وبريطانيا إلى التصويت ضد القرار، حيثُ
قالت: السفيرة الأميركية “ميشيل تايلور” نأسف لإضطرارنا للتصويت ضد هذا النص غير المتوازن لأنه يتعارض مع مواقف إتخذناها منذ فترة طويلة بشأن حرية التعبير، وإمتنعت بعض دول أمريكا اللاتينية، بينها “المكسيك وهندوراس”، عن التصويت، معتبرة؛ على غرار الدول الغربية أن هناك حاجة إلى تخصيص مزيد من الوقت للتفاوض والتوصل إلى إجماع
قبل التصويت، وأكدت “المكسيك” أن أي تعبير عن إنتقاد الأديان لا يشكل في حد ذاته تحريضاً على العنف والتمييز.
وتتوالى الإعتذرات؛ الغربية وكان أبرزها وزيرة المالية الفنلندية “ريكا بورا” التي إعتذرت عن تعليقات “عنصرية” قديمة نُسبت إليها على الإنترنت تم إعادة شجبها من طرف زملائها، وإتُهمت وزيرة المالية، زعيمة حزب “Vines” اليميني المتطرف الشريك في الإئتلاف الحكومي، بكتابة تعليقات تحريضية في وقت سابق عام “2008 “معادية للمهاجرين والإسلام والمسلمين، وتحمل إساءات عنصرية وتهديدات بإستخدام العنف، وجاء في تغريدة أطلقتها على صفحتها في موقع التواصل الإجتماعي”تويتر” قالت؛ فيها إني “أعتذر عن التعليقات الغبية التي سبق، و كتبتها قبل “15 “عاماً، وعن الأذىّ والإضطراب المفهومين اللذين تسببت فيهما لإسلام والمسلمين والمهاجرين، وأنا لست شخصًا مثالياً فقد أخطئت وأعتذر الآن.
وتظاهر مئات الآلاف من المسلمين في عدة دول إسلامية وغيرها من دول العالم ضد حرق القرآن في السويد، وتصاعد وتيرة الغضب في الدول الإسلامية منذ ذلك العمل المتطرف، وتم تداول فديوهات للمتظاهرون على منصات التواصل، وهم يحملون لافتات كُتب عليها: “قاطعوا السويد” و”حرق القرآن إرهاب”، وحثت؛ بعض المنظمات الإسلامية الحكومات العربية والإسلامية على عدم الإنخراط في الإطراء، بل أن تحذر السفير السويدي بشدة أو أن تقوم بطرده إذا لزم الأمر كرد لائق يليق قيمة المصحف والقرأن الكريم ويليق بقيمة بملياري مسلم يتم إستفزاهم بشكل مستمر ومتكرر وفي ظل الصمت الدولي.
وعلى صعيد متصل؛ فقد شاهدنا “حركة طالبان” تمنع السويد من ممارسة أي نشاط في أفغانستان حتى تعتذر رسمياً على حرق المصحف،
وقالت: الحركة في بيان لها إنه بعد إهانة القرآن، والمعتقدات الإسلامية في السويد، فإن الإمارة الإسلامية تعلق كل نشاطات “ستوكهولم” في أفغانستان حتى تقدم حكومة هذه البلد إعتذارها على هذه الفعلة التي تدعو للكراهية،
ومنعت حكومة طالبان الإنتقالية كل النشاطات التي تمت للسويد بصلة بما فيها عمل المنظمات غير الحكومية وذلك رداً على إحراق نسخة من المصحف في “ستوكهولم”.
وقد تعددت مؤخراً محاولات النيل من المصحف الشريف في دول شمال أوروبا من بعض المتطرفين، ولاسيما في دولة “السويد” ولم نجد أي إجراءات حاسمة في هذا الشأن، غير شجب وتنديدات وإستنكارات جميعها واهية من بعض الدول، !ذ أقدم يميني متطرف في يناير من الماضي، على إحراق نسخة من القرآن أمام سفارة أنقرة في السويد ما أثار غضب وإنتقادات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” وبعدها بيوم قام “إدوين فاغنسفلد” زعيم حركة بيغيدا المعادية للمسلمين بإتلاف نسخة من المصحف أمام البرلمان الهولندي في لاهاي.
وفي نفس السياق: قال الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، إن مهاجمة مقدسات الناس ليست حرية تفكير بل همجية ونوع من أنواع العمل الإرهابي، في إشارة إلى حادثة حرق القرآن الكريم في السويد،
وأضاف “أردوغان “خلال مؤتمر صحفي في ختام أعمال قمة زعماء دول حلف شمال الأطلسي “ناتو” التي جرت على مدى يومين في العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وثقنا بيانات أدانت فيها الحكومة السويدية الإعتداء السافر على القرآن الكريم على أراضيها، مشدداً: على ضرورة عدم السماح لجرائم الكراهية التي تهين وتغضب ملياري مسلم حول العالم.
وألفت: في مقالي إلى “سلوان موميكا” اللاجئ العراقي في السويد، والمجرم المتطرف الذي أحرق المصحف يظهر في فيديو وهو مرعوب، ويستغيث ويطالب الحكومة السويدية بتوفير الحماية له، وقال: عبر حسابة على موقع التواصل الإجتماعي “تيك توك” أحمل السويد مسؤولية حماية أمننا وسلامتنا، لأن هناك تهديدات حقيقية وتهديدات دولية، متواصلاً؛ وهو”يرتجف”، أنا والشخص الآخر الذي كان معي في إشارةً منه لـلشخص الذي كان يصور الفديو أثناء حرق المصحف الشريف على الملأ مهددون، وحياتنا معرضة للخطر وهناك تقصير أمني في حمايتنا من قبل السلطات السويدية.
وأختم مقالي وأقول: إن مهاجمة المقدسات الدينية تعُد إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وليست حرية تفكير أوتعبير بل عمل إجرامي بغيض يجب محاسبة مرتكبية، فضلاًعن؛ إنه نوع من أنواع العمل الإرهابي ويتسبب في إهانة بالغة لجموع المسلمين في دول العالم،
وبخصوص إقرار مجلس حقوق الإنسان الأممي في”جنيف” مشروع قرار تقدمت به منظمة التعاون الإسلامي، وبعض الدول لإدانة أعمال الكراهية الدينية مثل حرق المصحف رغم معارضة دول غربية له، أناشد؛ هذه الدول التي رفضت القرار أن تعيد النظر بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لديها، كما أناشد؛ جميع الدول التي تُشاهد تصاعداً غير مسبوق في معاداة الإسلام والمسلمين، وليس السويد فحسب، لإتخاذ قرارات حازمة بهذا الشأن وعدم التجاهل.
وأعاود التأكيد: في مقالي هذا على أن هذه الأفعال الإجرامية الصادرة من الهمج المتطرفين لن تنال من حرمة المصحف الشريف لأنه في قلب كل إنسان مسلم، وجميعهم متحضر ون، وسوف يظل في عليائهم كتاباً هادياً للإنسانية جمعاء، وموجهاً لها لقيم الخير والحق والجمال، ولا تنال من قدسيته أحقاد الضالين المجرمين، ولا تصرفات باعثي التعصب والحقد والنفوس البغيضة والمريضة، من أصحاب السجلات السوداء في تاريخ التعصب والكراهية وحروب الأديان السماوية، وأن مهما بلغت الإساءة من هؤلاء المجرمين لن يكون الرد بإساء مثلها، ولكن سيكون الرد بالعلم والمعرفة.
وأطالب: المجتمع الدولي والإنساني والمؤسسات الدولية وحكماء العالم من العلماء وغيرهم من الرموز الدينية”الإسلامية والمسيحية واليهودية” ومنظمات المجتمع المدني، والفنانين والمثقفين وغيرها، بالوقوف في وجه محاولات العبث بكافة المقدسات الدينية، وإدانة هذه الأفعال الإجرامية، ووضع حد لفوضىّ مصطلح “حرية التعبير” المزعومة والكف عن إستغلالها في سوق السياسات والإنتخابات كدعاية رخيصة لهما، وإساءة إستخدامها فيما يتعلق بإستفزاز المسلمين وإحترام مقدساتهم كما يحترموا مقدسات الآخرين، وفتح تحقيق عاجل حول تكرار هذه الحوادث التي لا تقل في خطورتها عن مردود الهجمات الإرهابية، وأن السماح لهؤلاء المجرمين بتكرار هذه الإستفزازات تحت مسمىّ “حرية التعبير”ولو حتى بالصمت، يعُد تواطؤ منبوذ قد يُعيق من جهود تعزيز السلام وحوار الأديان والتواصل بين العالم العربي والإسلامي والعالم الغربي.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.