وقفات تربوية عن الركن الأعظم الحج
وقفات تربوية عن الركن الأعظم الحج
بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى
مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف
?أولًا:
وقفات تربوية
توحيد الله عز وجل:
تتجلى العناية بالتوحيد و بيان أهميته أن الحكمة من بناء البيت إنما هي توحيد الله جلّ وعلا وجُعل قصدُ الناس إليه من أرجاءِ المعمورة لإذكاءِ شعيرةِ توحيد العبادةِ وخلوصها لله سبحانه لا شريكَ له.
{وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26].
والمتأمل للأعمال و الأذكار التي يقوم بها الحاج خلال رحلة الحج يجد أنه يلهج بتوحيد الله عز وجل من أول منسكه إلى نهايته لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك، كما في حديث جابر رضي الله عنه في وصف حجة النبي صلى الله عليه و سلم قال:
«فأهل بالتوحيد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» (رواه مسلم).
?ثانيًا:
وقفات تربوية
الاقتداء و التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم:
مدرسة الحج تربي الفرد والمجتمع المسلم على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فالحاج يربي نفسه على متابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع شؤون الحياة فإن متابعة الحاج لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج استجابة لقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» (مُتفق عليه).
تربية للحاج أن يلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما يأتي و ما يذر، وذلك هو بداية الانطلاقة للتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى:
{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:من الآية 21].
فمدرسة الحج تربي المسلم على أن الخير له والفلاح في العودة إلى هدي النبوة هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
وأمة الإسلام اليوم في أمس الحاجة إلى أن تعود إلى إرث محمد صلى الله عليه وسلم لتستعيد عزها ومجدها المفقود.
?ثالثًا:
وقفات تربوية
الأخوة الإسلامية:
مدرسة الحج تربي على الأخوة الإسلامية، فالحاج يستشعر معنى الأخوة الإسلامية من خلال لقائه بإخوانه المسلمين من شتى بقاع الأرض ومن كل قطر ومصر يراهم قد تصافحت أيديهم وتآلفت قلوبهم يظهر بعضهم لبعض المحبة والعطف والتعاون والتسامح.. شعارهم: وشيجة الدين هي أقوى الوشائج والصلات.
?رابعًا:
وقفات تربوية
الوحدة الإسلامية:
مدرسة الحج تربي الفرد والمجتمع والأمة والعالم الإسلامي على مبدأ من أعظم مبادئ هذا الدين ألا و هو مبدأ الوحدة الإسلامية فالحاج يدرك أن الحج شعار الوحدة..
“فإن الحج جعل الناس سواسية في لباسهم وأعمالهم وشعائرهم وقبلتهم وأماكنهم، فلا فضل لأحد على أحد: الملك والمملوك، الغني والفقير، الوجيه والحقير، الكل في ميزان واحد… إلخ.
فالناس سواسية في الحقوق والواجبات، وهم سواسية في هذا البيت لا فضل للساكن فيه على الباد والمسافر، فهم كلهم متساوون في البيت الحرام، لا فرق بين الألوان والجنسيات، وليس لأحد أن يفرق بينهم. وحدة في المشاعر ووحدة في الشعائر، وحدة في الهدف، وحدة في العمل، وحدة في القول “الناس من آدم، وآدم من تراب لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى” أكثر من مليوني مسلم يقفون كلهم في موقف واحد، وبلباس واحد، لهدف واحد، وتحت شعار واحد، يدعون ربًا واحدًا، ويتبعون نبيًا واحدًا..
وأي وحدة أعظم من هذه” .
?خامسًا: الجسد الواحد :
تُربينا مدرسة الحج على أن نتألم لآلام المسلمين في كل صقع من أصقاع الأرض مهما شطت بنا الديار واختلقت الأوطان فنحن جسد واحد..
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم:
«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»
.
(رواه البخاري ومسلم) .
تأتي مدرسة الحج لتزيل العزلة الشعورية التي يعيشها المسلمون حيال قضاياهم ومشاكلهم وآمالهم وآلامهم وتبدد الحصار والتعتيم الإعلامي المفروض على المسلمين .
?سادسًا: ذكر الله:
مدرسة الحج تربي الحاج على ذكر، فالذكر هو أول المقاصد التي أرادها الله من عبادة الحج، قال تعالى:
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج:27-28].
ورحلة الحج من بدايتها إلى نهايتا ذكر لله عز وجل فالحاج يذكر الله بالتلبية، وخلال الطواف، وخلال السعي، ويصعد الحاج إلى عرفات ليدعو الله ويذكره.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
« خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير» (رواه الترمذي).
ويغادر الحاج عرفات إلى مزدلفة، إلى المشعر الحرام ليذكر الله قال تعالى:
{فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ.ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة:198،199].
?سابعًا:مخالفة المشركين و البراءة منهم:
قال تعالى: {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة:من الآية 3].
فالحج فرصة لتأصيل عقيدة الولاء و البراء في نفوس المؤمنين خاصة أنها قد ضعفت وهزلت في نفوس كثير من الناس فتأتي مدرسة الحج لتحيي قضية البراء من المشركين، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على مخالفة المشركين خلال رحلة حجه، فقال للناس عن المشركين:
«هدينا مخالف هديهم».
(رواه البيهقي والحاكم، وقال:على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي).
?ثامنًا :
تربية النفس و ترويضها على الصبر و تحمل المشاق:
من أظهر الدروس التي تتضح بجلاء في مدرسة الحج التربية على الصبر وتحمل المشاق في سبيل مرضاة الله قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] .
والصبر من خير ما يوفق له المؤمن، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال صلى الله عليه وسلم:
«ما أُعطي أحد عطاءً خيرًا وأوسع من الصَّبر» ( رواه الخمسة).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“وجدنا خير عيشنا بالصبر” .
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
“الصبر مطية لا تكبو والقناعة سيف لا ينبو”
وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله:
“إن الله سبحانه جعل الصبر جوادًا لا يكبو وصارمًا لا ينبو وجندًا لا يهزم وحصن حصينًا لا يهدم ولا يثلم”.
?تاسعًا: الثقة بنصر الله للإسلام والمسلمين:
فمدرسة الحج تزرع في النفس الثقة بنصرة الدين والتمكين له وأنه مهما طال ليل الكفر والباطل فإن فلق الصبح أوشك على الانبلاج، وما تجمع العدد الغفير من المسلمين في أيام الحج من كل فج عميق إلا بشارة بفجر جديد قريب لعز الإسلام والمسلمين، فعندما يرى الحاج وفد الحجيج حتى من البلاد التي تشن الحرب على الإسلام والمسلمين، وعندما يجالس وفود الحجيج فينقلون له تهافت الناس على الإسلام وتشوقهم إلى التعرف عليه، ويسردون أخبار التائبين التائبات حتى في صفوف الفنانين والفنانات تزداد ثقته ويقوى يقينه بنصر الله للإسلام والمسلمين، وأن المستقبل لهذا الدين، قال عز وجل:
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [سورة التوبة:33].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
«لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإسْلامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ» ( رواه أحمد).
وعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
«بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» .
(رواه أحمد وابنه عبد الله في زوائده والحاكم، وقال:صحيح، ووافقه الذهبي وصححه الألباني).
?عاشرًا: التربية على الأخلاق الفاضلة:
الحج مدرسة للتربية على الأخلاق الفاضلة من الحلم والعفو والصفح والتسامح الإيثار والرحمة والتعاون والإحسان و البذل والكرم والجود….
فهي رحلة تسفر عن أخلاق الرجال وتسهم إسهامًا عظيمًا في تعديل السلوك السيئ إلى الحسن، فكم من حاج عاد من رحلة حجه بوجه غير الذي ذهب به قال تعالى:
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197].